عبد الباقي الظافر

في جلباب الميرغني..!!


٭ قبل سنوات وقف مولانا جعفر الميرغني خطيباً بمناسبة تعيينه مساعداً لرئيس الجمهورية.. جعفر الذي لم يعتد على مواجهة الأضواء خلط مياه النيل الأزرق بالأبيض .. نسب جعفر الحرب إلى جنوب النيل الأبيض، وكان يقصد النيل الأزرق تحديداً.. إندهش المراقبون على ارتباك مولانا الصغير، وحاول المريدون أن يعتبروا القول كشفاً صوفياً يؤكد انتقال الحرب الأهلية لبحر أبيض.. باعتبار أن نجل المرشد معصوم عن الخطأ الجغرافي.
٭ منذ نحو عامين برز للساحة الاتحادية نجم جديد هو الحسن الميرغني.. الميرغني الجديد دارس للهندسة بالجامعات الأمريكية، ويمتلك قدراً من الجرأة السياسية .. الحسن هز شجرة حزب أجداده، ووصم بعض الرموز بأنهم أعجاز نخل خاوية.. لكن حتى هذه اللحظة لم يتمكن الحسن من أداء فاصل سياسي كامل.. أحيانا يعتمد على تلقين المقاولين المتخصصين في ترميم العلاقات العامة .. خبراء صحفيين أمثال زميلنا محمد لطيف اجتهدوا في لعب دور المخرج مع الزعيم المجتهد .. لكن حينما حاول الحسن الإجابة في كراسة الاختبار، كتب إنه سينجح في حل مشاكل كل السودان في (181) يوماً ً.. مازال العداد مستمراً في الحساب والنَّاس في انتظار معجزة الحسن.
٭ الصورة المغايرة تبدو في بيت الإمام المهدي .. منذ الإمام الأكبر عبد الرحمن المهدي نلحظ أن هنالك مدرسة في إعداد الكادر الأسري.. عبد الرحمن المهدي أثناء حياته علّم ابنه الصديق الرماية.. حينما أغمض الأب عينه كانت الإمامة تنتقل بهدوء إلى الابن الصديق .. لكن سنوات الصديق في الحياة مضت على نحو متعجل .. هنا نشب صراع على السلطة بين الأخ المحافظ الإمام الهادي والابن المتحفز الصادق.. لم يحسم هذا الصراع حتى بموت الإمام الهادي، فقد ظهر الإمام أحمد كوريث محتمل..الآن الإمام الصادق يخطط ليصنع مجداً لأبنائه وبناته .. فقد برز العميد عبد الرحمن والأستاذ الصديق وتزاحمهما على صدارة المشهد السياسي شقيقتها مريم المهدي.
٭ حتى داخل بيت الميرغني الكبير يسطع نجم إبراهيم الميرغني ككادر مختلف عن النسخة الميرغنية .. إبراهيم الذي تربى بين عامة الناس في بحري، شق طريقه دون الاعتماد على بريق الاسم والماركة التجارية للعائلة الميرغنية.. الآن ابراهيم «يداقش» في السوق بنفسه وينافح عن معتقداته دون الاختباء خلف مرتزقة سياسة.. أغلب الظن أن إبراهيم الميرغني سيخطف راية أجداده من بني عمومته المحافظين لدرجة التكلس.
٭ ارتبكت الساحة الاتحادية بعد أنباء واردة من لندن تفيد أن الحالة الصحية لمولانا محمد عثمان الميرغني لا تمكنه من ممارسة العمل السياسي في الميدان السوداني غير المطابق للمواصفات العالمية .. الارتباك سببه أن مولانا لم يعتمد سياسة توريث معلومة القواعد لإعداد ولي عهد .. اعتمد مولانا على عامل الزمن حتى تآكلت ذاكرته السياسية.. فلجأ إلى المدن الأوربية البعيدة ليعيش شيخوخة هادئة .. لم يكن ذلك عن زهد او عدم رغبة في التوريث.. مولانا الميرغني أضعف دور المؤسسات واعتمد على الولاء التقليدي والتاريخي متسلحا بنظرية الصمت الذي يخفي المسالب.
٭ في تقديري.. ليس هنالك ما يمنع أي بيت كبير من لعب دور سياسي وتوريث السياسة كغيرها من الأعمال التجارية.. في الهند لعبت أسرة نهرو دوراً كبيراً وتوارثت الزعامة من نهرو إلى أنديرا، ولم تنته أسطورة الأسرة عند راجيف غاندي.. في أمريكا أسرتي كنيدي وبوش ظلتا على الدوام في صدارة المشهد السياسي.. لكن التوريث هنا يقوم على أسس واضحة وشفافة.. من بينها اختيار أصحاب الكفاءة داخل الأسرة.. ثم سلوك قنوات المجد السياسي عبر التدرج في المناصب العامة القائمة على اختيار الناس.
٭ بصراحة.. أخطأ مولانا الميرغني يوم أن أضعف المؤسسات.. ولم يعتمد ولياً للعرش يتعهده بالرعاية..النتيجة أن الحزب يرتعد كلما وضع الطبيب السماعة يتحسس صدر مولانا الميرغني.