الطيب مصطفى

الإنتباهة والعدالة العرجاء!


(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ).
لا تدهشوا للحكم الجديد الغريب الذي أعاد قضية صحيفة (الإنتباهة) إلى محكمة الموضوع لكي يبدأ المسلسل المكسيكي من جديد.. لماذا أطلب منكم ألا تدهشوا في أمر ينبغي أن يدهش ويحير الأموات في قبورهم؟!
الإجابة باختصار شديد .. لأن المناخ الذي أفرز عملية السطو على الإنتباهة لم يتغيّر ولم يتبدّل، فالقوم هم القوم والظرف السياسي هو ذات الظرف.
أوضِّح أكثر فأقول ..هل تذكرون أن الإنتباهة كانت قد أوقفت من الصدور قبل نحو سنتين واشترطت السلطات المختصة لكي تعود للصدور أن يتخلى الطيب مصطفى، صاحب الحصة الأكبر في أسهمها، عن رئاسة مجلس إدارتها؟
كنت، كما يعلم الكثيرون، قد فديت الإنتباهة معتبراً عودتها أهم من رئاستي مجلس إدارتها وتنازلت بحسن نية فيمن أكلت معهم الملح والملاح ولن أنكأ الجراح أو أغرق في التفاصيل من جديد فقد تمخض عن تنازلي أن ذهب رئيس مجلس الإدارة الجديد في اليوم التالي مباشرة، وبدون علمي، إلى مسجل الشركات التابع لوزارة العدل، المنوط بها بسط العدالة في البلاد! والذي قام، ويا للعجب، بشطب أسهمي في الصحيفة ثم تمت إزاحتي ومن ناصروني حتى من مجلس الإدارة وانتهت علاقتنا منذ ذلك اليوم بالإنتباهة التي أنشأناها من العدم يوم كان بعض من يتولون أمرها اليوم، ورب الكعبة، لا يعرفون مقرها والتي سهرنا عليها حتى بلغ حجم مطبوعها (120) ألف نسخة في اليوم لأول مرة في تاريخ السودان.
منذ ذلك اليوم ظللنا نتجول في ردهات المحاكم، من محكمة إلى أخرى ومن استئناف إلى آخر ومن محكمة عليا إلى مراجعة .. سنتان أو نحو ذلك توفي خلالهما بعض المساهمين الرافعين للدعوى وهم مغبونون من عدالة منقوصة ولا يزال الحبل على الجرار ولا يزال الموت يتخطف طرفي القضية والعدالة العرجاء في الزمن الأعرج المنتسب زوراً وبهتاناً إلى عدالة السماء تتلوى وتتلولو عن الحقيقة المعلومة حتى لمن اغتصبوا الحق من أصحابه!
قدرنا أن نصبر على البأساء والضراء معزين أنفسنا بأن الله يسمع ويرى وأن هذه الدنيا ليست نهاية المطاف وأن الحكم العدل ليس غافلاً عما يعمل الظالمون.
عندما حكمت لنا المحكمة العليا بإجماع القضاة قبل نحو سبعة أشهر ظننا أن الأمر انتهى لصالحنا وما درينا يومها أن هناك مستوى آخر من مستويات التقاضي سموه بالمراجعة.. أن يقوم بعض قضاة المحكمة العليا بمراجعة الحكم وينظرون في شيء واحد .. ما إذا كان متسقاً مع الشريعة الإسلامية!
قلنا لهم وهل كان قضاة المحكمة العليا الذين قضوا قبل المراجعة يحكمون بالقانون الإنجليزي أو الهندي؟!
قضاة المراجعة أيها الناس قضاة محكمة عليا لا يختلفون عن قضاة المحكمة العليا التي قضت قبل أن يدفع بالحكم إلى مستوى المراجعة !
الآن قضى قضاة المراجعة بإرجاع الدعوى إلى أول محكمة (تحت) وهي محكمة الموضوع لكي تدور الساقية من جديد ولا أحد يعلم متى تخرج الدعوى من الأنفاق التي أعيدت إليها والتي يفضي كل منها الى آخر وربما تعود الدعوى بعد أن تبلغ هرم التقاضي إلى القاع من جديد!
قلت لكم في صدر هذا المقال إنني لم أدهش للحكم .. هل علمتم الآن لماذا؟!
لأن الظرف السياسي الذي أدى إلى انتزاع الإنتباهة من صاحبها قبل عامين لم يتغير ولا ينبغي أن نتصور أن ترد (بالحسنى) وهي في لأيديهم الآن بعد أن انتُزعت انتزاعاً (وبالقوة) من أصحابها في ذلك اليوم البعيد!
هل علم القراء الكرام لماذا دخلنا معترك الحوار السياسي عندما دعينا إليه؟ دخلنا الحوار سعياً إلى التغيير الذي يمكن أن يعيد الحقوق، بما في ذلك الإنتباهة، إلى أهلها.
هل فهم الناس لماذا يراوح الحوار في مكانه ولا يكاد يتحرك أو لماذا يتحرك قليلاً إلى الأمام ثم ما يلبث أن ينكفئ وينكص على عقبيه؟
دخلنا الحوار حتى نقيم الحكم الراشد الذي يفصل بين السلطات وينهي أو يقضي على الفساد .. دخلناه حتى نقيم دولة العدل والقانون بعيداً عن الاستقواء بالسلطة أو بالبندقية .. دخلناه حتى يتساوى الجميع أمام القانون في نظام شورى ديمقراطي يعلي من دولة المؤسسات ويتحاكم الجميع فيه إلى الشعب وليس إلى قوة السلطة أو ثروتها.. عندما يتحقق ذلك ستعود الإنتباهة وستعود كثير من الحقوق المغتصبة إلى أهلها.


‫2 تعليقات

  1. ‘طيب انت كنت وين لما كنت مسؤول حكومي بيدك الاذاعة و التلفزيون و سونا ؟؟؟
    كنت لا ترى المظالم لانها لم تطالك وقتذاك !!! … و كنت ترى السودان فردوسا من فراديس الله في الارض !!!
    شانك في ذلك شأن جماعة المؤتمر الشعبي , عندما كانوا حاكمين كانوا لا يذكرون شيئا سلبيا و عندما وجدوا انفسهم خارج اللعبة اصبحوا يتهمون الحكومة بالتسلط و الظلم !!!! والله عالم عجيب و منتهى الانانية !!!!