رأي ومقالات

الخرطوم والقاهرة .. هل نفد الصبر؟


ضجة وغضب عارم أصاب الرأي العام السوداني بسبب ماحدث في مصر من تزايد الاعتقالات من الأجهزة الأمنية المصرية للسودانيين بحجة حملات لمكافحة تجار العملة. فقد تم اعتقال العشرات من السودانيين بصورة عشوائية لأي سوداني يحمل دولارات ليتم الزج بهم في أقسام الشرطة المصرية.. الاعتقالات المتكررة جعلت السفارة السودانية تبعث خطاباً إلى وزارة الخارجية المصرية لتوضيح الأمر.. حيث أن المعاملة التي يتلقاها المواطنون السودانيون في مصر هذه الأيام ليست هي الأولى، ولا أحد ينسى المجزرة الكبيرة التي حدثت بميدان مصطفى محمود والتي راح ضحيتها العشرات من السودانين الجنوبيين في ذلك الحين. بينما ظلت حكوماتنا تتهافت على إقامة علاقة حميمة مع الحكومات المصرية دون أن تحظى بندية تناسب وضعها كدولة ذات سيادة.

الحالة أمام السفارة
ظل الإعلام المصري الرسمي يكيل الاتهامات والإهانات حتى إلى مسؤولي الحكومة السودانية. والأنظمة التي تعاقبت على مصر، رغم حديثها الذي يدعي أهمية العلاقات المشتركة بين البلدين، إلا أنها عملياً تمارس أفعالاً عكس ذلك. كما يظهر من الصفوف الطويلة للمواطنين السودانيين، الذين يريدون الذهاب إلى مصر لأسباب مختلفة أغلبها للعلاج والتجارة، وأغلبهم شباب، أمام بوابات السفارة المصرية بالسودان قبالة شارع الجمهورية المحمية بأفراد من الشرطة والتي كثر عددها مؤخراً.
تعسف واستفزاز
وما حدث للسودانيين من اعتقالات دعت من السفارة بتقديم شكوى للخارجية المصرية وذلك بعد ازدياد البلاغات من قبل السودانيين وبعد نشر قصة المواطن السوداني زكريا الذي ذهب لعلاج ابنه لكن السلطات ألقت القبض عليه أثناء تبديله للعملة وتعرض للتعذيب. وبحسب إفادات رئيس الجالية السودانية بالقاهرة إبراهيم عز الدين خلال مداخلة تلفزيونية ببرنامج حتى تكتمل الصورة أكد أن هنالك حالات مشابهة من اعتقالات مشابهة منتقدًا عدم تنفيذ السلطات المصرية للحريات الأربع بعكس مافعلت السلطات السودانية حيث أكدت وزارة الداخلية السودانية تطبيقها للاتفاقية بنسبة (100%) من جانب السودان، فيما ظل النظام المصري يماطل في تطبيقها.
العميد أمن (م) حسن بيومي قال لـ «الإنتباهة» إن في مصر 4 ملايين سوداني إذا ساءت العلاقة فإنهم المتضررون، مضيفاً أن ماحدث من الشرطة المصرية ليس بغريب، فالشرطة المصرية لطالما كانت متعسفة ومستفزة وهذا لن يكون في مصلحة البلدين لأنه يخلق توتراً ويضر العلاقة بين البلدين وعن قضية السودانيين الذين قتلوا في الحدود المصرية فإن القنصل الذي ذهب للتحقيق في الأمر هو من يكشف هذا السيناريو الذي أدى لمقتل السودانيين على الحدود وما إذا كانت السلطات طلبت منهم التوقف أو لا حتى أطلقت عليهم النيران أم أنهم قاوموها أو لا.
التعامل بالمثل
وضح جلياً أن تاريخ العلاقة بين السلطات في السودان ومصر باختلاف الحكومات بين البلدين إلى حد كبير يدل على أن سياسة المهادنة والدبلوماسية التي ظل يتبعها السودان، لن ولم تجدي مع الحكومة المصرية التي ظلت تسخر وتحشد إعلامها ومثقفيها لمعاداة السودان والسودانيين، والمتابع لجميع القنوات المصرية وبرامج (التوك شو) يجد هذه الحملة وإن أرادت السطات في مصر إيقافها لفعلت ولكنها تعتبر الموقف غير رسمي لمصر، وقد جربت الحكومة الحالية في السودان كل الطرق لتحسين العلاقة مع مصر، وبناء علاقة سياسية واقتصادية واجتماعية تقوم على المصالح المشتركة بين البلدين، وسد مداخل التوترات، لكن النظام المصري الحالي، لم يكن وفياً للحكومة السودانية التي اعتبرت انقلاب الأوضاع الشرعية في مصر، ورحيل الرئيس الأسبق «محمد مرسي» شأن داخلي، لكنها لم تجنِ غير الإهانة لشعبها، فالآن ما يتم من تفتيش ومصادرة لأموال السودانيين، لا يمارس تجاه أي شعب في مصر، مما جعل السودانيين يطالبون رئيس الجمهورية بالتدخل لحسم هذه الفوضى، وإعادة الكرامة لشعبه والتعامل بالمثل، إذاً ما حدث خلال هذه الأيام للمواطنين السودانيين، وجد هذه المرة استنكاراً كبيراً من كل السودانيين، جعلهم ولأول مرة يطالبون بالتعامل بالمثل، والتخلي عن سياسة التنازلات، وتوجيه ردود وخطوات حاسمة للنظام المصري الذي ظل يعادي السودان حكومة وشعباً وأطلق مغردون عدداً من الهتافات التي تطالب السلطات بالغاء الحريات مع مصر (لا حريات أربع مع مصر المعاملة بالمثل) (مصر ليست أخت بلادي) وغيرها مما شغل الرأي العام وغضب عارم بالشارع السوداني.
محللون يروا أن خطوة مصر للتصعيد نتيجة للتناول الذي تم عن حلايب في الفترة الأخيرة والتصريحات من قبل السلطات السودانية التي تؤكد سودانية حلايب وعلى رأسهم رئيس الجمهورية بأن حلايب سودانية إضافة إلى اتجاه الحكومة بإدخال الخدمات إلى المنطقة، أيضاً ما أغضب مصر في الآونة الأخيرة هو الدور السعودي الذي يلعبه في العلاقة مع السودان وذلك بعد تأكيد السعودية للاستثمار في السدود السودانية، وكان هذا الحديث سيوطد ويقوي العلاقة بين الحكومة السودانية والسعودية، لكن يبدو أنه سيزيد من مخاوف وحذر لدى السلطة المصرية خاصة فيما يتعلق بملف المياه، خاصة أن المفاوضات الآن بشأن سد النهضة، ويبدو أنها فشلت في التوصل إلى حل يرضي مصر، بينما يرى محللون أن الأوضاع الداخلية في مصر أصبحت تسودها الفوضى والتخبط، لذلك مصر تعتبر أن العلاقة في هذه المرحلة بين الحكومة السودانية والحكومة السعودية في أفضل حالاتها، خاصة بعد مشاركة السودان في عملية عاصفة الحزم. لذلك فإن هناك من يعتقد أن انزعاج الحكومة المصرية وحملاتها غير المبررة على المواطنين السودانيين الأبرياء على صلة بذلك.
وبحسب المحلل الإستراتيجي اللواء (م) عباس إبراهيم فقد ظلت العلاقات السودانية المصرية بعد حصول السودان على استقلاله في حالة تغير مستمر حسب طبيعة الأنظمة القائمة خلال الفترات المختلفة فتارة تكون قوية وأخرى متدهورة، ويلعب الإعلام دوراً كبيراً في ذلك وبخاصة الإعلام المصري حيث إن لديهم مفهوم بالنظرة الدونية للتصرفات السياسية السودانية ونظرتهم لمعالجة القضايا المختلفة حيث يرى بعض إعلاميي مصر أنه يجب على الأنظمة في السودان أن تدعم وتساند وجهة النظر المصرية في مختلف القضايا باعتبار السودان لا يحسن التصرف وقد تمثل ذلك في مختلف المراحل وبخاصة موقف السودان تجاه الولايات المتحدة في حرب الخليج 1991 ورفض وجهة النظر الأمريكية في موقفها تجاه إفريقيا حيث قامت بتحريض دول الجوار على السودان مما جعل الحكومة السودانية تقاتل في تسع جبهات داعمة ومساندة لحركات المعارضة المسلحة بجانب فتح أراضيها للمعارضة غير المسلحة للبقاء فيها. ومن ثم لاحقاً احتلال مثلث حلايب وأخذت وسائل الإعلام المصرية مهاجمة السودان باعتبار أن حلايب جزءاً لايتجزأ من مصر. ويمضي اللواء (م) عباس في الحديث أن مصر أخذت في اتهام السودان بالتواطؤ مع إثيوبيا لقيام سد النهضة وتحريض الحكومة لعدم تطبيق الحريات الأربع مع مصر باعتبار أن بعض الجهات السودانية تساند المعارضة في مصر وبخاصة الإخوان المسلمين وحركة حماس. وبالرغم من محاولة التهدئة في المجال الإعلامي بين الدولتين. وبصفة عامة فإن وسائل الإعلام المصري في حالة عداء للسودان في كافة المجالات وفي مختلف الأوقات فعليه إذا لم تتمكن الحكومة المصرية في إيقاف ذلك فإن العلاقات السودانية المصرية ستكون على الدوام في حالة اضطراب ولا تسمح بتعزيز التعاون بين البلدين بالرغم من فتح الطرق البرية والبحرية.
أما الإعلام السوداني فكان تناوله للقضايا المتعلقة بين البلدين بأسلوب ملتزم حسب وجهة النظر السودانية العامة وموقف الحكومة منها. حيث ظل الإعلام السوداني في حالة دفاع ورد على وسائل الإعلام المصرية وتفنيد شكوكها وأكاذيبها عن مواقف السودان، كما أن موقف وسائل الإعلام السودانية واضح وثابت في سودانية منطقة حلايب ولا يلجأ لأسلوب الإثارة ضد مواقف مصر في المواقف السياسية المختلفة بل إن بعض الجهات في السودان لاتؤيد السكوت في بعض الأحيان عن مواقف الإعلام المصري وترى ضرورة مقارنتهم الحجة بالحجة وذلك لكثرة مهاجمة الإعلام المصري لمواقف السودان تجاه القضايا الدولية والمحلية المختلفة.

الخرطوم: هنادي عبد اللطيف سهيل
الانتباهة


تعليق واحد

  1. 4 ملايين سوداني!!!! أليست هذه كذبة كبرى- أين يعملون وماذا يرسلون للسودان من عملة صعبة حتى نتضرر إذا رجعوا – ده إذا كانوا فعلا 4 ملايين. يبدو أن مصر تريد أن يفهم العالم أن النوبيين المصريين والعرب السمر من المحافظات الجنوبية هم سودانيون بل يجوز ذلك على كثير من المصريين نفسهم فيفتكروا السودانيين في بلدهم 4 مليون!!! والعدد الحقيقي لا يمكن أن يصل إلى عشر ذلك إن لم يكن أقل بكثير. وكيف يمكث الإنسان في بلد ليس له فيها دخل ولا احترام؟؟؟؟ ما هي عوامل الجذب؟؟؟