الطاهر ساتي

حياة المفاجآت ..!!


:: أخبار الطقس الصادرة عن هيئة الإرصاد الجوي لم تكن ذات قيمة لحد حجبها عن تلفزيون البلد منذ ثلاث سنوت لأسباب أقبح من ذنب الحجب ومسماة إختصاراً بالأسباب المالية .. ولكن كوارث سيول وفيضانات الأعوام الفائتة، أعادت لأخبار الطقس قيمتها في الصحف .. ولاتزال .. ويوم أمس، كان تحذير أو إفادة الناطق الرسمي باسم هيئة الإرصاد الجوي خبراً رئيسيا بكل الصحف .. إعتباراً من الإثنين القادم وحتى نهاية الأسبوع، كما يوضح الناطق الرسمي نور البلد فضل الله، تتوقع هيئة الإرصاد الجوي موجة هوائية باردة تمر بكل البلاد- وخاصة شمالها وغربها- وقد تصل درجات الحرارة خلال مرورها (10 درجات)، في ساعات الصباح.. !!
:: وكما تعلمون، منذ أغسطس العام 2013، وإلى يومنا هذا، غابت خارطة الطقس عن شاشة تلفزيون السودان، ولم تفقدها جهة حكومية أو تتفقدها جهة شعبية.. غابت تلك الخارطة المهمة عن الشاشة لأن ميزانية التلفزيون عجزت عن قضاء بعض حوائج هيئة الإرصاد وتكاليف نشرتها الجوية، أو كما يبررون.. وهذا التبرير غير صحيح .. فالحقيقة هي أن الخيال الإداري – بالتلفزيون و السلطات الأخرى – أضيق من أن يستوعب ويفهم قيمة النشرة الجوية وجدواها في حياة الناس والبلد..فالنشرة الجوية كانت ولا تزال عند هذا الخيال الإداري الضيق مجرد مؤشر – أوعصاية – يتحرك يميناً ويساراً على الشاشة..!!
:: واليوم، بالقنوات العالمية – والمحلية المحترمة – لم تعد للنشرة الجوية ( موعد محدد)، مع أخبار التاسعة كما كانت قبل تغييبه.. بل على مدار اليوم والساعة تجد أحوال الطقس و درجات الحرارة على شريط إخباري لا يغيب عن الشاشة إطلاقاً..فالإنسان عندهم بحاجة إلى معرفة خبايا الطقس اليومي وخفايا المناخ السنوي، ولذلك يخدمونه على مدار الساعة بأحوال الطقس و المناخ ليتحسب لما قد يحدث خلال اليوم أو الأسبوع .. ولكن هنا، حيث موطن التواكل و الخمول واللامبالاة، أجهزة الدولة المكلفة بخدمة الإنسان لا تخدم هذا الإنسان المنكوب إلا ب ( المفاجآت)..!!
:: يتفاجأ بالمطر بعد منتصف الليل، يتفاجأ بالجفاف في عز الخريف، يتفاجأ بالخمسين درجة مئوية في منتصف الظهيرة، يتفاجأ بالغبار مع أول الفجر، ويتفاجأ بالصيف في الشتاء، ويتفاجأ بالعشرة درجات لو لم تحرص على نشرها الصحف..وهكذا..(تنوم على مناخ و تقوم على مناخ)، ثم تتصرف حسب المفاجأة .. نعم رغم توفر العقول والتكنلوجيا القادرة على (التنبؤ والإستنتاج )، بغرض التحسب و(الحيطة والحذر)، كل تفاصيل ومسارات الحياة العامة والخاصة في بلادنا تمطي صهوة ( فرس المفاجآت)، لأن بؤس الإدارة عاجز عن تسخير تلكما العقول والتكنلوجيا لخدمة المواطن..وبلا حياء – وبجهل مدقع – يطالبون هذا المواطن بتوخى الحيطة والحذر بعد وقوع الكوارث أو جفاف الأرض أو ( نزلات البرد).. !!
:: ولا ننسى طلب بعض نواب ولاية الخرطوم الحكومة بعدم إعتماد تقارير هيئة الإرصاد بإعتبارها مشكوك فيها، وبإعتبار خبرائها وعلمائها ( منجمون)..هكذا كان الوصف، علماء وخبراء، بين ليلة وضحاها، صاروا ( منجمون)، بأمر سُلطة – كأنها ساطلة – أو جاهلة بهذا العلم الحيوي وتطوره التكنلوجي وأهميته في حياة الشعوب والأوطان..المهم، شكراً لهيئة الإرصاد على هذا التحذير والبشارة .. (10 درجات وما دونها)، بشارة لزُراع القمح والفول وغيرهما من المحاصيل الشتوية.. وتحذير لمن يبحثون عن الذهب في الفيافي، و للمدارس وبكورها – و خاصة في أرياف غرب و شمال البلاد – لأخذ الحيطة والحذر، وحتى لا تتفاجأ الأسر بتكاليف العلاج ..!!