جعفر عباس

نستأهل الإساءة الموجهة إلينا


ربما لاحظ القراء أنني لا أخوض في مواضيع قد تكون موضع اهتمام معظم الكتاب على مدى عدة أيام أو أسابيع متتالية، فيحسب القارئ أنني لم أسمع بداعش ولا السيسي ولا باجي قايد السبسي، في حين أن رصد ومتابعة أحوال جميع أقاصي الدنيا هو وسيلتي لكسب الرزق منذ أكثر من ثلاثة عقود وبالتالي فلا بد من وجود سبب معقول ومنطقي يفسر ابتعادي عما يسمى القضايا الراهنة، والسبب هو أنه طالما أن غيري يتناول الموضوع من مختلف زواياه، وطالما أنه لا شيء عندي أضيفه، فخير لي وللقراء أن أسكت عنه، بل أعتقد أن على القراء الاعراب عن شكرهم لي لأنني لا أكتب عن التفجيرات والقتلى و«بينهم عدد من النساء والأطفال»، وكأنما مقتل الرجال «ما فيها شيء.. عادي»!
والأمر الآخر هو أنني لا أحب السير في الزفة، فيما يتعلق بالمواضيع «الساخنة»، فمثلاً عندما قامت قيامة المسلمين في أنحاء العالم بمناسبة نشر رواية «آيات شيطانية» لسلمان رشدي (بالمناسبة «رشدي» بفتح الراء وليس بضمّها على ذمة صاحب الاسم ولعله أراد أن يوضح ذلك ليقول لمن أفتوا بتكفيره إنه لم يزعم الرُّشد والرشاد).
المهم أنني عند صدور ذلك الكتاب وتفجُّر براكين الغضب في العالم الاسلامي لم أقل كلمة في حق الكاتب أو الكتاب، وبعد صدوره بنحو عامين كنت قد انتقلت الى لندن وحرصت على اقتناء نسخة من الكتاب وقرأته.. أستغفر الله.. حاولت قراءة الكتاب.. وبعد أن أكملت ثلث صفحاته ألقيت به في مكان يليق به، وهو «الزبالة» فكعمل فني كانت الرواية ضعيفة البنية وهشة وتعبانة، ومحاولات التطاول على الإسلام ونبي الإسلام – عليه أفضل الصلاة والسلام – كانت فجّة ومفضوحة وركيكة، ولم يكن ليبيع أكثر من ألف نسخة منه لولا فتوى الزعيم الايراني آية الله الخميني بإهدار دمه، فصارت الضجة حول الكتاب عالمية وارتفعت مبيعاته، ولكن النقاد الأدبيين الغربين سرعان ما اكتشفوا أن الكتاب لا يستحق مسمى «رواية»، ولكنه حقق الغاية التي ينشدها الكاتب: إثارة ضجة تجعله محط الأنظار.
وفي مطلع عام 2006، أقمنا الدنيا وهددنا أعداء الإسلام بالويل والثبور والاجتثاث من الجذور، لأن صحيفة دنماركية نشرت رسومات فيها تطاول على مقام نبينا الكريم، وأول ما فكرت فيه عندما بلغني أمر تلك الرسومات هو أن أطلع عليها، فاستخدمت محرك البحث غوغل في الإنترنت وكتبت اسم الرسول الكريم، وجاءني أول رابط بعنوان «محمد مسار البشرية» وهكذا جاءت شبكة المعلومات الدولية بالرد المفحم على ذلك الرسام الدنماركي.
الاستبانة التي وضعت نبي الإسلام على رأس قائمة أكثر الشخصيات تأثيراً على مجريات التاريخ تعود إلى نحو 25 سنة، ولكن أن يأتيني الإنترنت بتلك المعلومة وأنا أبحث عن رسومات تتطاول عليه، كان ذلك بالنسبة إلي تأكيداً لحقيقة أن ما جرى ليس تطاولاً على النبي، بل استخفاف بالمسلمين على وجه العموم والعرب على نحو الخصوص، فأمرنا لدى الآخرين (هيّن) والكلمة هنا من الهوان وبيني وبينكم معهم حق، فليس لنا كلمة ولا صوت ولا فعل ولا حتى (حرف) في الساحة الدولية. نحن شعوب ملطشة والله يجازي اللي كان السبب. لدنيا مثقفون ومفكرون ذوو رؤى ثاقبة ولدينا مبدعون في كل مجال، ولكنهم يعاملون في بلدانهم كالأنعام، وإذا تسنموا منابر عالمية اتهموا بالعمالة.. إعلامنا – وهو المرآة التي يرى فيها الآخرون عالمنا – (يكسف)، منافق وعاجز وسخيف يصورنا كقطعان تنساق لعصا الراعي. إعلام جاهل ولهذا لم يكتشف أمر تلك الرسومات إلا بعد مرور 4 أشهر على نشرها!! الرسول أكبر من أن يهان وأن يُساء إليه.. الإساءة موجهة إلينا، ونحن نستأهل.

jafabbas19@gmail.com