الفاتح جبرا

تفك فلتر؟ (أرشيف)


أثناء فترة تواجدى بالقاهرة لإجراء عملية (قسطرة) في شرايين القلب ، قدم لى (قاسم) مرافقى المقيم بمصر الدعوة للجلوس على محل قهوة سودانية (كما أطلق) عليه قائلاً :
– تعال يا استاذ عشان تشوف السودانيين هنا عايشين كيف
كانت القهوة تقع فى وسط البلد وكان الوقت عصراً ..معظم الرواد شباباً ما عدا قلة من العجائز .. الجو سودانى تماما .. هذا يضع طبلية عليها سجائر (البينسون والبرنجى) وآخر يضع أمامة تربيزة عليها (حقت سعوط) وقد قام برص أكياس التمباك أمامها .. بينما ست الشاى تلبس فستاناً محذقاً ذو ألوان صارخة وتنتعل (سفنجه كحلية) وقد مشطت رأسها مشاط أفريقى وهى تجيب على طلبات الزبائن ذوى السحنات والألوان والأزياء المختلفة .

– الناس ديل شغالين شنو هنا؟
– والله يا أستاذ الغالبية منهم عندهم لجوء؟
– هو اللجوء بقى شغل ؟
– يعنى بيدوهم قرشين تلاته كل شهر يعيشو منها
– بتكفيهم ؟
– ما بتكفيهم عشان كده بيقومو يشتغلو حاجات كده !
وأخبرنى (قاسم) بالحاجات البشتغلوها الجماعه ديل والتى لم أندهش لها .. ولم أستبعدها كما يفعل البعض وذلك لعلمى بأن (الجوع كافر) وأن الإقتصاد يتناسب (طرديا) مع الأخلاق ولكن أكثر ما إندهشت له هو قوله لى بأن فئة كبيرة منهم عاوزة (تفك فلاتر) !
– أجبته متسائلاً فى إستغراب : يعنى شنو تفك فلاتر ؟
– أجابنى فى بساطة : يعنى عاوزين يبيعو (الكلى) بتاعتهم ! يعنى الواحده كده بتجيب ليها ذى كم ألف جنيه كده المشكلة إنو إحتمال الواحد يصرفا لمن تحصل ليهو مضاعفات وكليتو تكون راحت شمالر في مرقة !
وهنا فقط … فقط.. أدركت حجم المأساة .. مأساة أن يبدأ الإنسان فى تشليح نفسة , المرة دى كلية وبكرة شويت (بنكرياس) وبعد بكرة حتت (فص كبد) ويلا .. لا جمارك ولا يحزنون الزول يكون شايل بضاعتو جواهو وماشى بيها لا من شاف لا من درى ! لم يقطع حبل تفكيرى إلا صوت (قاسم) وهو يقول لى :
– شنو يا استاذ ؟ الحكاية دى شغلتك وإلا أيه؟
– هى من ناحية شغلتنى شغلتنى لكن يا (قاسم) سوق الكلى ده وين؟
– ضاحكا : سوق شنو يا أستاذ السماسرة ديل بيعملو فى شنو؟
– مندهشا : سمااااسرة ؟
– أيوه يا استاذ مش فى سماسرة شقق وعقارات .. وسماسرة عربات كمان فى سماسرة كلى وسماسرة كبد وبنكرياس !
– يعنى هو البيطلع بالكلية (تيستا) اقصد هو البتأكد من إنو شغاله كويس !
– أيوه يا أستاذ ما السمسار ده بيودى البائع يفحص بضاعتو ويعمل تحليلاتو عشان تكون أوراقو جاهزة !
ولمن يظهرزبون والبيعه تتم يمشى لأقرب حته بتعامل معاها ويسلم الزبون البضاعه ! والزول البائع بعد داك بيقولو عليهو فاكى فلتر !
قلت فى نفسى أما شغلانية (وسخة) بشكل والله السماسرة ديل خطرين خلاص عرفنا الواحد يقنعك تبيع بيتك الفى (الواحة) عشان يجيب ليك بيت فى (زقلونا) وتطلع ليك بشويه فرق يريحك شويه وبعد شويه يقنعك تبيع بيت (زقلونا) عشان يجيب ليك بيت فى حى (أخنق فطس) وتطلع ليك بقرشين حلوين تسدد بيهم الديون العليك وتدفع للأولاد رسوم المدارس والجامعات وآخر حاجه يقنعك بأنو البيت لزومو شنو؟ بيعو عشان الأولاد ما يموتو بالجوع وأجر ليك بيت فى (الربع الخالى) ! لكن يسمسرو فى أعضاء بشرية ؟ يعنى الواحد يقتعك تفك فلتر وبعد شويه سماعه أضان وشويتين لمبة أمامية يمين (عين يمين) … لا .. لا دى شغلانية (وسخة) شديد !
بعد أن أفقت من مخاطبة نفسى قلت لـ (قاسم) :
– والسماسرة ديل بيكونو قاعدين وين؟
– شوف يا استاذ ديل بيكونو بيشركو للضحايا قدام معامل التحاليل والمستوصفات وكمان فى القهاوى – مستطرداً- هسه شفت الزول القاعد هناك بيعاين لينا داك و بيشرب فى الشيشة ولابس ليهو ساعه دهبية داااك ونضارة سوداء ؟
– أيوه مالو ؟
– ده متمركز فى القهوة دى وبشيل زباينو من هنا !
لدهشتى ما أن إنتهى (قاسم) من جملته الأخيرة حتى قام ذلك الشخص بإرتشاف فنجان القهوة الذى أمامه وقام بزح ( الشيشة) جانباً ونهض متوجهاً نحونا وهو يرسم على وجهه إبتسامة مصطنعه وقال يخاطبنى:
– البيه مش برضو عاوز يفك فلتر؟
– (أجبته ضاحكاً) : لا والله أنا بس جاى (أسلك فونيه) وراجع بلدى !

كسرة :
عزيزي المواطن .. لا تقع في حبائل هذه العصابات وأصبر على الضيق و اعلم أن (بعد العسر يسرا) … ثم أيه المانع تبيع ليك كلية تقوم التانية تتعطل وتلحق (أمات طه) !!
كسرة ثابتة (قديمة):
أخبار ملف خط هيثرو العند النائب العام شنو (وووووووووووو)+(وووووووووووو)+ (وووووووووووو)+(وووو)+(و+و+و+و)+و+(و)
كسرة ثابتة (جديدة) :
أخبار تنفيذ توجيهات السيد الرئيس بخصوص ملف خط هيثرو شنو(وووو وووو وووو)+(ووووووووو) +(وووو)+(و+و+و+و)+و+(و)


‫4 تعليقات

  1. قد يكون ما ذكر صحيحا إلا أن توقيت المقال ليس مناسبا لأنه يلمح بإشارات سلبية في الوقت الذي ينتبه فيه الرأي العام “الإقليمي” إلى توتر العلاقات السودانية المصرية وكل ما يذكر سيتم توظيفه سلبا أو ايجابا.

  2. هذا المقال توقيته في كل زمان وفي كل مكان صاح ميه المئه ليس له علاقه بالسياسه فكثير من السودانين اصبحو يستغلو بطريقه محزنه برضاهم او بائ فهم او مدخل

    1. تشكر يا ابو هبه… علاقة الموضوع بالسياسة كبيرة جدا ومتشعبة …فالمواطن الذي يبيع قطعة من جسده يعني بالمفهوم السياسي أن دولته أهملته وجعلته فقيرا وأن مستوى الرعاية الاجتماعية في وطنه متدني وأن وعيه متدني …ومن يقول إن أعداد كبيرة من السودانيين في القاهرة يعيشون على إعانات اللجوء فهذا يعني انه ترك بلده كارها ويعني انه يسبب قلاقل في وطن آخر …ومن يقول إن شراء الأعضاء البشرية سهل في مصر يشجع آخرين على ذلك ….أحيانا في اوقات المواجهات لا نفضل أن ننشر “غسيلنا” ليراه الكل…حتى ولو كانت حقائق تعيش في دواخلنا

  3. بطل فلسفة ابها المدعو عماد …. ما الموضوع ظاهر بلاش رسايل خطا و رسايل صاح … واحد ببيع كليته و ليه ..؟؟