جعفر عباس

كيف صارت اللغة العربية عربيزية


نبقى مع كتاب الدكتور عبد السلام البسيوني، عن تجربته كمصحح لغوي صحفي، والذي رصد فيه الجرائم البشعة، التي صارت ترتكب بحق اللغة العربية في وسائل الإعلام، وقد لفت البسيوني انتباهي لأول مرة، إلى مصيدة وقعت شخصياً فيها مئات المرات، باستخدام عبارات هجين (وإن شئت قل “عربيزية” أي خليط من العربية والإنجليزي، كقولنا فلان مدبرس، بدلاً من “مكتئب”، بل بلغ الشطح بالسودانيين، أن أخضعوا مفردات إنجليزية إلى قواعد التذكير والتأنيث العربية، فصارت الممرضة “نيرسه” وليس نيرس nurse، والطالبة في سنتها الأولى في الجامعة برلومة، على أساس أن صيغة المذكر منها هي بريليم، رغم أن هذه الكلمة نفسها تصحيف للأصل الإنجليزي (بريلِميناري preliminary) وتعني “تمهيدي/ أوَّلي”، وعندك “مجكس/ مجكسة” والتي سرقناها من الإنجليز الذين يسمون البنت (وليس الولد) في لغة الغزل تشيك chick، وجمعها chicks ولأن اللسان العربي يستصعب النطق بإدغام التاء والشين، كما في الكلمات الإنجليزية التي تتضمن حرفي ch، فقد صرنا نقول “جكس”، والفضيحة هي أننا نجعل الرجل أيضا “جكس”.
أنظر مثلا شيوع عبارة من شاكلة “تحيات/أ شواق حارة”، المنقولة بالمسطرة عن العبارة الإنجليزية warm greetings/reception، ومثلها “دفء العواطف”، فالإنجليز يعشقون الشمس والدفء لأن بلادهم دائمة الغيوم، ومن ثم يسعدون بالأيام المشمسة، بل يسمون أيام السعد والعز بالأيام المشمسة sunny days ، بينما يسعد جميع العرب بالغيوم والمطر، والبرد في معظم الدول العربية حلو ومُشتهَى، وهكذا جاءت العبارة العربية “شيء يثلج الصدر/ الفؤاد” و”نزل كلامه على قلبي بردا وسلاما”، والابن البار عندنا “يبرِّد الحشا”.
وقد اتهمني البسيوني شفاهة وصراحة بأنني أنتمي إلى الفئة التي سربت عبارات هجين إلى العربية، بحكم أنني ارتزق من الترجمة، فهو يقول: المترجمون العرب أخذوا عبارات من لغة أهل القمار مثل قولهم: خلط أوراق اللعبة، وكشف الأوراق! والذي يظهر لي أن الجملة أتت من فعل القَمّار (مدير اللعبة) الذي يخلط أوراق اللعب، ثم يوزعها على المقامرين، فانتقلت من البارات والكازينوهات عبر المترجمين إلى لغة (السادة المسقفين) عليهم الرضوان أجمعين!
“ومنها قولهم: قلب عليه الطاولة؛ وهي عادةُ لاعب القمار إذا خسر، فيخرب اللعب على اللاعبين، ويهددهم، ويهتاج عليهم، و”يقلب التربيزة” لتفويت الفرصة على الرابح ولتفادي الخسارة بـ”خلط الأوراق”، فنُقلت مستعارة للذي يهيج ويغضب، ويحتد في الخصومة أو يهتاج، أو يقلب الحجة على خصمه، ومنها استخدام ألفاظ مثل الآسAce والجوكر Joker وهذا من التجوز في التعبير، ودس مصطلحات (الكوتشينة) أو القمار في لغتنا”.
وأترك المايكروفون للبسيوني ليواصل بدون فاصل: ومن المستغرب عندي كذلك استخدامهم اصطلاح: حجر الزاوية/ الأساس: نقلًا حرفيًّا للمصطلح الماسوني الأشهر والذي يرمز لأول حجر استخدم في بناء اول محفل ماسوني: Corner stone ولا أدري لماذا نستخدمه بدل “ركن” مثلاً، أو “عماد”؟
ولتلطيف الجو على المترجمين والصحافيين أورد بعض الأخطاء اللغوية التي يقع “إثمها” على المصححين المساكين: (القائد الفذ) أصبحت: (القائد الفظ) و(عودة وزير) أصبحت: (عورة وزير) و(بالشفاء العاجل) أصبحت: (بالشقاء العاجل) (والزميلة المحترمة) أصبحت: (الزميلة المجرمة) و(تجاهل هذا الأدب والفكر) أصبحت: (تجاهل هذا الأدب والكفر) و(استقبل بكلمة ترحيبية) أصبحت (استقبل بلكمة ترحيبية) و(الرئيس يستقبل اليوم…) أصبحت “الرئيس يستقيل اليوم”، و(صورة السلطان في شبابه) أصبحت “صورة السلطان في ثيابه”
ومن الأخطاء (الفاحشة) أن أبدلت القاف في (حرية القول): بحرف (الباء) و(مدير عام مطبعة) أصبحت (مدير عام مصبغة)، وفي (معتوق) أبدل حرف القاف بالهاء، و(د. مُضرْ طه) أصبحت: د. مضرطه!