تحقيقات وتقارير

الصحافة السودانية.. بين الحريات وجدل تكلفة الصناعة


تواجه الصحف السودانية العديد من المشكلات ابتداءً بالحريات مروراً بضعف الايرادات وانتهاءً بتكلفة الطباعة العالية لارتفاع مدخلات الانتاج، فالشاهد أن صناعة الصحافة في السودان باتت مكلفة جدًا وتحتاج من الحكومة إلى إجراءات جادة تصب في خانة تطورها لتتمكن من أن يكون لها أداء متميز ومسئول خاصة وأن الصحافة تعتبر السلطة الرابعة وهي جزء من آليات المجتمع بكافة مكوناته تعكس حراكة وأنشطته المختلفة وتعرض الرأي والرأي الآخر، كما أنها وسيلة ثقافية وتعليمية وترويحية وناقدة وموجهة وكاشفة لمواطن القصور والخلل بغرض إصلاحه فبالستقرارها تستطيع أن تؤدي دورها تجاه المعرفة بنشر الوعي المجتمعي وكذلك الإسهام في مجالات التنمية والسلام والاستقرار والإنتاج ويبقى السؤال هل اتاحة الحريات للصحافة وفق القوانين التي تمكنها من أداء دورها هو الذي سيحدث لها النقلة والتطور والإنتشار؟ أم أن قرارات التي إتخذتها الحكومة بإعفاءات مدخلاتها من الضرائب في ظل وجود رقابة قبلية وبعدية يمكنها من أن تلجم الصحافة في مضمارها.؟!

بدايات مبكرة وخطوات متعثرة

ذاكرة التاريخ تقول إن السودان من أوائل الدول العربية والأفريقية التي سبقت في مجال الصحافة إلا أن تلك البدايات المبكرة مازالت خطواتها متعثرة، بينما في الدول الأخرى أصبحت فيها الصحافة صناعة متقدمة ومتطورة ومواكبة ولا تزال الصحافة السودانية عبر كل الحقب الحكومية تعاني من كثير مشاكل في الطباعة أو الإنتاج وقبلها تعاني من قبضة الحريات التي تتيح لها العمل وفق المسئولية الاجتماعية مراعاة للأمن القومي والدولة وتبقى الأمنيات قائمة كل ما صدر قرار حكومي يوعد ببشريات في تطور بلاط صاحبة الجلالة.

تجدد دعوة تطوير الصحافة

إعلان النائب الأول للرئيس السوداني الفريق بكري حسن صالح عن خلو السجلات من أي سجين ينتمي للصحافة، لدى مخاطبته الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الأمانة العامة والمكتب الدائم لاتحاد الصحفيين العرب بحضور وزير الإعلام د. أحمد بلال، ووزير العدل عوض الحسن النور، ورئيس القضاء أ.د. حيدر أحمد دفع الله، ووزير الدولة بالإعلام ياسر يوسف، وكذلك تجديده لتوجيهاته بتخفيض الضرائب على مدخلات الإنتاج الصحفي وتبشيره بمزيد من البشريات التي ستشهدها الصحافة في مقبل الأيام دون أن يخوض في تفاصيل البشريات وجد إرتياحاً عاماً لدى الصحفيين وتفاءل بعضهم بحديث النائب العام في أن يكون تنفيذ هذه القرارات بالإعفاء الجمركي لمدخلات الطباعة بإنعكاسه على تقليل تكلفة الإنتاج وتحسين مستوى الطباعة وزيادة عدد الصفحات لتجد القبول عن القارئ لتدور عجلة الإنتاج.. فهل تكون زيارة وفد الإعلاميين العرب بشارة خير على الصحافة السودانية وتتحق أحلام الصحفيين بتغير وجه الصحافة عبر النقلة الجديدة المرتقبة؟.

المستقبل في المؤسسات المتطورة

هذا ما نفتقده في السودان.. ليست لدينا مؤسسات عريقة.. يقول الخبير الإعلامي وأستاذ علوم الإتصال محمد الأمين ويزيد في حديثه لـ(السياسي) بأن وجود المؤسسات المتطورة والتي تعمل بصورة متواصلة في هذا المجال وامتلاكها لمطابع حديثة ومتطورة وشركة للنشر والتوزيع داخل وخارج البلاد يمكن أن يسهم بالقفز في صناعة الصحافة والعكس تمامًا في إفتقار هذه المؤسسات.. ويضيف الأمين بأن قوة المؤسسات يمكنها أن تسهم أيضاً في إتاحة الفرص للصحافيين العمل بمهنية وشفافية ويمكنها أيضاً إيجاد فرص التدريب المتواصل وكسب الخبرات من داخل المؤسسة وخارجها وبجانب متطلبات أخرى من قوانين وحريات سوف تصبح العملية الصناعية للصحافة أكثر تماسكاً. يختم الأمين حديثه.

مشكلات الصحافة وتعقيدات صناعتها

إذا نظرنا إلى سوق الصحافة في السودان يقودنا للحديث عن أهمية دراسة وتقييم هذا السوق ومدى إمكانية قبوله لإصدار المزيد من الصحف.. خاصة وأن الواقع يشير بأن العدد الموجود حالياً هو عدد كبير مقارنة بمستوى الجودة والتمييز والتوزيع والإنتشار بالإضافة إلى أن المؤسسات الصحافية الموجودة الآن الغالبية منها مؤسسات ضعيفة البنى التحتية من حيث البناء المؤسسي وقدراتها المالية وإنتظام تقاريرها المالية الداخلية والوفاء بمستحقاتها.. لذلك يمكن القول إن الكثير من الصحف الموجودة اليوم تعاني من الضعف الاقتصادي المتمثل في رأس المال المسير مما إنعكس على ضعف في الإنتشار والتوزيع والعائد الإعلاني، فمعظم الصحف لا تمتلك مطابع إلا القليل منها، وبالتالي تصبح العملية مكلفة في ظل إرتفاع مدخلات الإنتاج من طباعة وأحبار وأوراق وعمال مهرة، مما يؤدي إلى إرتفاع تكلفة التشغيل، فالشاهد أن صناعة الصحافة أصبحت صنعة استثمار طويل المدى وفق إستراتيجية اقتصادية ذات جدوى.

دعم الحكومة وإلغاء الضرائب

وبروز إتجاه الحكومة وتفكيرها في الدعم الجاد للصحافة وإلغاء الضرائب على مدخلاتها يرى بعض الصحفيين أنه خبر جيد سيسهم في تطوير صناعة الصحافة والعودة بها إلى مدها الأول ومنافستها كصحافة متطورة إقليمياً وعالمياً ومن الضرورة أن تدعم الدولة المؤسسات الصحفية حتى تصبح مؤسسات عملاقة كما تدعم كثير من الدول الصحف لتواجه العالم إعلامياً فيما يخص كل القضايا، فالعلام اليوم هو المسيطر على كافة الأحداث في العالم، يجمع خبراء إعلاميون في منتدى الحريات الصحفية الذي عقدت بالتنوير المعرفي أن على الحكومة أن توفر الأجواء الملائمة للصحافة حتى تؤدي دورها بمهنية وذلك عبر قوانين يتم إعدادها بواسطة خبراء في الإعلام والقانون لتوفير الحريات الملمة بالنشر وحقوق النشر وإحترام المواثيق دون تداخلت بين القوانين الأخرى المقيدة، ففي إعتقادهم أن هذه الشراكة الذكية مابين الصحافة والحكومة تنتج صحافة جيدة وقوية.

الحريات والخطوط الحمراء

يقول الدكتور الكاتب الصحفي زهير السراج لـ(السياسي) إنه قبل الحديث عن حريات الصحافة وقرارات إعفاء أي مدخلات لصناعتها من باب أولى الآن رفع سقف حرية الإعلام لأن الإعلام في وجود الخطوط الحمراء أو بعض القوانين المعطلة لحراكه لا يتطور، ويضرب مثالاً بحديث وزير الإعلام الدكتور أحمد بلال الأخير عن المحاكم الإيجازية للصحفيين ويوصفه بـ(المضحك المبكي)، مشيرًا إلى إن هذه المحاكم تتجاوز القوانين والحريات لا تسمح للصحفيين للدفاع عن أنفسهم.. موضحاً بأنها تنتهك حقوقهم ومرفوضة تماماً، ويزيد بأن أضمن للصحفيين أن يحاكموا وفق قوانين الإجراءات الجنائية من أن يحاكموا بواسطة المحاكم الإيجازية، فالشاهد أن الكثير من المهتمين بتطورات الأخبار والأحداث التي زادت في كمية تدفق المعلومات يؤكدون على أن أكبر خطر يداهم ممارسة الإعلام يتمثل في غياب أو تغييب التشريع الذي يحمي الحقوق بصورة واضحة فتداخل المواد القانونية يجعل الإعلامي تحت طائلتها الاستثنائية.. هذا الأمر لا يشجع الحق في الإعلام بتاتاً بل يميعه لأنه يسمح بالتأكيد عمليًا على الحق في التضليل فهل يمكن الجزم بأن الجمهور يتمتع فعلاً بحقه في الإعلام في الوقت تسيطر فيها الحكومات على وسائل الإعلام عبر القوانين التي تصنفها بالخطوط الحمراء والتي تدخل في الأمن القومي والمساس بأمن الوطن في بعض القضايا، بينما يبحث الإعلامي عن مصدر الأخبار ومن يؤكدها له ويعاني من ذلك وأحياناً عندما يرفض الكشف عن المصدر يواجه بتهم الإثارة وإشانة السمعة وتخطي الخطوط الحمراء خاصة وأن محرر ومنتج المواد الأخبارية والإعلامية يعمل وفق ما هو متاح له من موارد إخبارية ومصادر في ظل سرعة وإنتقال الأخبار وتواردها عبر العديد من الوسائل المنتشرة.

الحريات لا تُمنح.. والصحافة مهنة مقدسة

بعكس ما ذهب إليه بعض الصحفيين من ترحيب وتفاؤل بتحرك الحكومة نحو إلغاء الضرائب على مدخلات الطباعة، يرى الصحفي الدكتور زهير السراج أن ذلك ليس هو الحل الناجع لأزمة الصحافة السودانية، ويزيد بأن الحريات لا تُمنح من قبل الحكومات بل هي حق موجود في كل شرائع الله السماوية متمثلة في حرية التعبير وحرية العمل في إطار الحرية العامة.. مشيراً إلى إنه غير مطلوب من الحكومة أن ترضى عن الصحافة أو الصحفي لأن مهمة الصحفي الأولى هي ليس المدح أو التسبيح بحمد الحكومة.. ويزيد السراج بأن الصحافة في كل العالم مهمتها نقد السلبيات وتصحيح المفاهيم السياسية الخاطئة وهي مهنة مقدسة يجب أن لا تمس بأي شكل من الأشكال سواء بالعقوبات أو المصادرات أو منع النشر.. ويزيد بأن الجوائز التي منحت للصحفيين السودانيين بالخارج ليست نتيجة للحريات التي منحتها الحكومة بل نتيجة لتضييقها على هؤلاء الصحفيين وعلى الحريات ذاتها التي تتحدث عنها، ويوضح بأن ذات الحريات لو أتيحت في العمل الصحفي لما إحتجنا إلى قرارات بإعفاءات جمركية لمدخلات الإنتاج لأن ما سوف تكتبه الصحافة من نقد وتوجيه وأخبار سوف يجعل منها مقروءة وسط الجمهور لأنها تتحدث عن لسان حاله وتعكس مشاكله بالتالي ترتفع نسبة التوزيع والإنتشار وتصبح الصحافة سلعة مطلوبة وسط الناس لمخابطتها القضايا الحقيقية.

==========

المحكمة الإيجازية

أعلن وزير الإعلام أحمد بلال عثمان، أن إنشاء محكمة مختصة بالصحافة بصورة إيجازية في قضايا النشر بات وشيكاً، ليحتكم إليها السودانيون، المواطنون والحكومة والصحفيون، للحد من (الإجراءات الإستثنائية) التي تفرضها الحكومة على الصحافة.. وقال الوزير إن قيام المحكمة هو السبيل الوحيد للحد من (الاستثناءات) التي تقوم بها أجهزة الدولة تجاه الصحافة بين الفينة والأخرى. ورأى الوزير، أن السودان يتمتع بحريات صحفية كبيرة برغم (الإجراءات الإستثنائية)، وأشار إلى أن قانون الصحافة الجديد ستتم إجازته بعد إخضاعه لمزيد من التشاور مع أهل الشأن، حتى يصبح الفيصل في تنظيم العمل الصحفي بالبلاد.

==========

وزير الدولة بوزارة الإعلام، المتحدث بإسم المؤتمر الوطني، ياسر يوسف، قال في تصريحات صحفية سابقة: (إن هناك حالات ضرورية تتدخل فيها الدولة لتقييد الحريات).. وتابع: (أي حرية ينبغي أن تكون بسقوفات محددة)، ورأى أن قضايا الأمن القومي والأمن الاقتصادي والمجتمعي تجعل الدولة تتدخل لتقييد الحرياتوأقر يوسف بأن بعض القوى السياسية تنادي بتعديل تلك القوانين: (رغم أننا نراها جيدة)، مؤكداً ضمان الدولة حرية التعبير وفق تلك السقوفات.

========

يقول الدكتور الكاتب الصحفي زهير السراج لـ(السياسي) إنه قبل الحديث عن حريات الصحافة وقرارات إعفاء أي مدخلات لصناعتها من باب أولى الآن رفع سقف حرية الإعلام لأن الإعلام في وجود الخطوط الحمراء أو بعض القوانين المعطلة لحراكها لا يتطور ويضرب مثالاً بحديث وزير الإعلام الدكتور أحمد بلال الأخير عن المحاكم الإيجازية للصحفيين ويوصفه (بالمضحك المبكي).

=========

إعلان النائب الأول للرئيس السوداني الفريق بكري حسن صالح عن خلو السجلات من أي سجين ينتمي للصحافة، لدى مخاطبته الجلسة الإفتتاحية لاجتماعات الأمانة العامة والمكتب الدائم لإتحاد الصحفيين العرب وكذلك تجديده لتوجيهاته بتخفيض الضرائب على مدخلات الإنتاج الصحفي وتبشيره بمزيد من البشريات التي ستشهدها الصحافة في مقبل الأيام دون أن يخوض في تفاصيل البشريات وجد إرتياحاً عاماً لدى الصحفيين.

الخرطوم: عيسى جديد
السياسي