جعفر عباس

وصار للقرد دور في حال المشكلات المالية


نبقى مع موضوع اللغة العربية، وكيف أنها تتعرض لعاهات على ألسنة أجيال كاملة من الشباب «العربي»، وبحكم العيش طويلا خارج السودان، ومخالطة أناس من جميع الدول العربية، أستطيع أن أقول بقلب جامد، أن حظ شباب تلك الدول من لغتهم الأم، أتعس من حظ الشباب السوداني.
والأمر لا يقف عند الأخطاء الشنيعة في الإملاء وقواعد النحو، بل بكون الألسنة العامية صارت ملوثة بمفردات أفرنجية، وقد تكون المسألة مقبولة عندما يستخدم شخص متعلم، ثنائي أو ثلاثي اللغة، مفردات ومصطلحات أجنبية، ولكن عندما ينطق شخص أعرف أن حظه من الإنجليزية مثل حظ شعبولا من حسن الصوت، كلمة »زيرو«، فإنني أكاد أقطم رقبته وأصيح فيه: حرام عليك. الصفر كان آخر مساهمة عربية في العلوم النظرية والتطبيقية، فلماذا »تزوره« وتجعله زيرو؟
شيئاً فشيئاً، تسللت مفردات كثيرة هجينة إلى لغتنا الفصيحة، حتى كادت تصبح »فسيخة«، وأمامي الآن قصاصة من جريدة الراية القطرية، تعود الى أعوام خلت، تروي واقعة شهدتها جامعة عين شمس المصرية، إحدى «أقوى» الجامعات في الشرق الأوسط، حيث تلقى مديرها طلباً من أحد الطلاب جاء فيه ما معناه «السبيل الوحيد أمامي لمواصلة الدراسة في الجامعة، هو ان أحصل على قرد».
واحتار مدير الجامعة: هل يريد الطالب امتلاك قرد كي يعلمه بعض الحركات ويدور به في الشوارع لجمع المال؟ أم هل الطالب في كلية البيطرة، ويريد القرد لتشريحه بعد ان تسربت إليه ورقة الامتحان وعرف انه سيكون مطالباً بتشريح قرد؟ ولكن الطالب لم يكن مسجلاً في كلية البيطرة! طيب، هل يريد استخدام القرد في توصيل البرشام اليه أثناء الامتحانات؟ أم انه يريد تكليفه باختطاف أوراق أجوبة أسئلة الامتحانات من الطلاب المتفوقين وتوصيلها اليه كي ينقل عنها بالمسطرة؟ أم هو مغازلجي ويريد استخدام القرد في نقل رسائل الى الحبايب؟
استدعى مدير الجامعة الطالب، طالب القرد، ودعونا نتخيل ما قاله المدير الوقور، الذي يهمه ان يحل المشكلات التي يواجهها طلابه، واحتار في أمر توفير قرد لطالب، لأن جامعة عين شمس في القاهرة، حيث لا غابات استوائية أو حتى «نُص استوا»، تعيش فيها القرود، ليتسنى اصطياد واحد منها لحل مشكلة الطالب المالية: يا ابني أجيب لك قرد منين؟ وبعدين إزاي القرد حيحل مشاكلك المادية ويضمن مستقبلك الدراسي؟
لا بد ان الطالب حاول ان يقول كلاماً من قبيل: في الحقيقة يا دكتور أنا طالب…. فيقاطعه المدير: مانا عارف إنك طالب، وكمان طالب قرد!! مش الورقة دي مكتوبة بخط إيدك؟ ويرد الطالب: آآ.. أنا اللي كتبتها بس…..! بس إيه يا ابني؟ ولا بد أيضاً انه دار بذهن المدير ان الطالب »شامم حاجة«، وفي حالة غير طبيعية!! هنا صاح الطالب المسكين: يا أستاذ انا مش عايز قرد ولا زرافة،.. أنا عايز…!! وصاح المدير بدوره: انت حتجنني؟ مش دي ورقتك؟ مش ده خطك؟ مش بتقول ان السبيل الوحيد أمامك لمواصلة دراستك هو ان تحصل على قرد؟ فاض الكيل بالطالب: انا مش عايز قرد ولا زفت! أنا عايز قرض… فلوس… سلفة!
لا بد ان مدير الجامعة تساءل في نفسه: ده دخل الجامعة إزاي؟ معقول حد بيتكلم لغة الضاد يخلي القرض قرد؟ دا حتى جعفر عباس النوبي ما يعملهاش. ولو عرفت يا حضرة المدير بحال بقية الجامعات من حولك في عالمنا العربي، لمنحت صاحبنا ذاك قرضاً وفوقه قرداً!

شاركها
Facebook