مقالات متنوعة

محجوب عروة : سبعة ألف وليس سبعة جنيهات -2-


تساءلت أمس عن ماذا قدمت لنا عائدات البترول التي بلغت عشرات المليارات من الدولارات وأين ذهبت؟ ولحسن الحظ تزامن ذلك مع اعتراف لوزير المالية السابق علي محمود بأن وزير المالية الأسبق الراحل المرحوم عبد الوهاب عثمان كان يرى حين بدأ عائد البترول السودانى يرد لأول مرة ألا يدرج في الميزانية، بل يترك لدعم الإنتاج والإنتاجية وقد أكد لي لك شخصياً المرحوم الذي يجاورني السكن في مدينة الصافية وكان حتى آخر أيامه يقول لي إن إدخاله في الموازنة أدى إلى تغيير النمط الاستهلاكي الباذخ لدى الدولة ولدى السودانيين عامة كأننا أصبحنا مثل دول الخليج لقد أصابتنا – كما قال – لعنة الموارد الذي يسميه البعض المرض الهولندي.. لم نضع حساباً لتقلببات الزمن واليوم الأسود. ويبدو لي كما علمت منه أن ذلك هو الذي يدفع بعض النافذين إلى إبعاده عن وزارة المالية لأنه أراد أن يضبط المال العام وآخرون يريدون البحبحة بهدف الكسب السياسي العاجل فكانت النتيجة كما رأينا بعد نضوب عائدات البترول شبه شلل اقتصادي ولا أريد التشاؤم فأقول صدمة اقتصادية كبرى قد تؤدي الى انهيار اقتصادي لا أعلم كيف تنتهي؟ اللهم إلا بحلول سحرية أو معجزة!! للأسف ذهبت أموال البترول الى أخطر ظاهرتين أحدها الصرف الهائل على الحروب الأهلية والقطاع العسكري والأمني بنسبة لا تقل عن سبعين بالمائة إن لم يكن أكثر، وثانياً على حكومات مركزية وولائية مترهلة بغرض التمكين والرشاوى السياسية وزيادة التحالفات السياسية التي جاءت بعناصر الانتهازيين أكثر من أهل الكفاءة والخبرة وثالثاً ولعله أسوأها إلى ظاهرة الفساد المالي وللأسف خروجه الى خارج السودان يتم استثمارها بالخارج وليت هؤلاء الذين مارسوا النهب المصلح استثمروها داخل وطنهم ولكن كما قال لي صديق مازحاً: وهل يمكن للحرامي أن يترك أمواله ظاهرة داخل البلاد ويكفي أن نعلم أن إحدى الصحف الماليزية نشرت أن أموال السودانيين المستثمرة في ماليزيا قد بلغت ثلاثة عشرة مليار دولار تشكل سبعة في المائة من جملة الاستثمارات التي ترد من الخارج!! هذا طبعاً غير الأموال الموجودة في دبي وغيرها معروفة لمسؤولي تلك الدول، بل قال بعضهم لماذا نعطي أموال شعبنا لأناس آخرين وهناك أموال ضخمة لهم عندنا؟ قلت لصديق لو كنت مكان الرئيس البشير لأمرت هؤلاء الذين نهبوا أموال البلاد ووضعوها خارج أن يعيدوها للبلاد فتكون أكبر احتياطي لبنك السودان يستطيع من خلالها أن يضيق الهوة بين السعر الرسمي للدولار مع سعر السوق ذلك أن أكبر مشكلة تواجه البنك المركزي ليجعل السعر بين الرسمي والموازي هو عدم وجود ما يطلق عليه (مخدة) من العملات كان يفترض أن تكرس عقب عائدات البترول استقراراً اقتصادياً واستقراراً في العملة ولكن لضعف الإرادة والفساد وسوء إدارة الاقتصاد والتدخلات السياسية الضارة في إدارة الاقتصاد وفي إدارة بنك السودان ووزارة المالية ولم نفعل ذلك انفلت العقد بين السياسات الكلية خاصة بين السياسات المالية والنقدية.. والغريب في الأمر أن من أسندت إليهم إدارة الاقتصاد في الفترة الماضية أنفسهم ما زالوا هم الذين يديرون اقتصادنا في تحالف غريب مع أصحاب المصالح والانتهازيين والمنافقين الذين لا تهمهم غير مصالحهم.. وابكِ يا بلدي الحبيب!!
الجريدة