الهندي عز الدين

الاتحاديون الديمقراطيون.. محاولة لكتابة روشتة عاجلة


{ بعد أن عقد رهط من (الاتحاديين الديمقراطيين) لقاءً موسعاً في ضاحية “أم دوم” قبل ثلاثة أيام، وسبقهم رهط آخر إلى اجتماع مماثل في “أم بدة” قبل أسابيع، أخشى أن يتداعى فصيل ثالث ورابع وخامس إلى اجتماعات أوسع في “أم مغد” أو “أم ضواً بان” أو في “أم طلقاً عراض”.. هل تعرفونها؟
{ لم تعد مدهشة مثل هذه الاجتماعات واللقاءات التي تهب إليها ثائرة قيادات وأعضاء فصائل مختلفة من تيارات وأجنحة الحزب الذي كان حزب الحركة الوطنية الأول (الاتحادي الديمقراطي).. حزب الخالدين الكبار.. الزعيم “إسماعيل الأزهري” وصحبه الكرام من “مبارك زروق” إلى “يحيى الفضلي” و”حسن عوض الله”، “ميرغني حمزة” و”عبد الماجد أبو حسبو” وإلى آخر العظماء في الحزب العتيد الشريف “حسين الهندي”.
{ لكن هذه اللقاءات التي نسمع بها ونقرأ عنها مؤخراً سرعان ما تتوقف عاجزة ومرتعبة عندما يصل النقاش الساخن منصة رئاسة الحزب حيث يجلس عليها.. غائباً وحاضراً السيد “محمد عثمان الميرغني”.. (لحدي هنا بعملوا شخيت.. وبقيفوا بعيد) أو كما يقول مجتمع قاع المدينة!
{ فالشيخ “حسن أبو سبيب” قائد هذا التيار الثوري داخل حزب الاتحاديين غاب هو الآخر عن اجتماع “أم دوم” بسبب المرض، وخاطب الاجتماع عبر الهاتف، تماماً كما تعود أن يفعل مولانا “الميرغني” لسنوات طويلة داخل أو خارج البلاد!!
{ ما الداعي إذن للعجلة لعقد لقاء “أم دوم” ما دام زعيم التيار مريضاً؟! ألم يكن الأوفق تأجيل الاجتماع لحين تعافي شيخ “أبو سبيب”؟! أم أن الرجل فضل أن يكون غائباً كما غاب عن اجتماع “أم بدة” الذي رعاه السيد “طه علي البشير” رئيس القطاع السياسي بالحزب، حتى لا يدخل في مواجهة مباشرة مع (مولانا) الغائب في “لندن” منذ أكثر من عامين؟!
{ كل ما يفعله قادة جميع التيارات الاتحادية (المعارضة) من مجموعة “طه” و”علي السيد” و”البخاري الجعلي”، وإلى مجموعة “أبو سبيب” مروراً بجماعة “صديق الهندي” و”جلاء الأزهري” وانتهاء بمجموعات أخرى صغيرة لا أحفظ لها اسماً ولا رسماً ولا عنواناً في ظل تكاثر هذه الفصائل، كتكاثر حركات دارفور المتمردة، كل ما يفعله هؤلاء الاتحاديون لا يعدو كونه مجرد (مشاغبات) و(مناورات) غير جادة في إحياء الحزب الكبير، خشية من التزامات وتضحيات وأعباء ثقيلة لا يقوى معظم هؤلاء على تحملها ومواجهة تحدياتها سواء مع قيادة الحزب (الروحية) أو أجهزة ومؤسسات النظام الحاكم.
{ ولهذا فإن أغلب المناوئين من قيادات الاتحاديين لسياسات وقرارات “الميرغني” ونجله “الحسن”، يكتفون بالمشاركة في اجتماعات عاصفة لكنها لا تعصف بشيء، أو إصدار بيانات نارية لا تحرق سوى الموقعين عليها، وإطلاق تصريحات صحفية ساخنة ننشرها في صحفنا كأداء واجب مهني لا قناعة بصدقها وجدواها، ويفعلون كل ذلك انتظاراً لمحادثة هاتفية من (مولانا) الغائب في بلاد الإنجليز، حيث يخرج صوته العميق المميز من سماعة التلفون، فلا يملك مستقبل المكالمة غير أن يردد برهبة الدعاء للحسيب النسيب بدوام الصحة والعافية وسلامة العودة إلى “دار أبو جلابية” بالخرطوم بحري!
{ لكن هؤلاء وأولئك سيطول انتظارهم هذه المرة لمكالمة هاتفية تعبر البحار من عاصمة الضباب، إذ يبدو واضحاً أن (مولانا) قد تقاعد بصورة أو بأخرى من العمل السياسي تبعاً لنصيحة الأطباء، ولو لم يكن الأمر كذلك لما تربع نجله “الحسن” بقوة واطمئنان على مقعد قيادة الحزب دون سند كتابي أو انتخابي، هكذا على نمط (الخلافة) في الطرق الصوفية.
{ هذه الحقيقة المُرّة، لا يريد أن يتقبلها السيد “طه علي البشير” وصحبه الأجلاء، ومثله الشيخ “أبو سبيب” وكذا بقية الرجال المحترمين في الحزب الذي رفع مؤسسه علم استقلال السودان قبل (60) عاماً طويلة!!
{ وهكذا.. ستستمر متوالية التلاشي للكيان الذي كان كبيراً وراسخاً.. ما لم تقرر هذه القيادات الاتحاد والتسامي على شح الذات والتناحر على السراب.
{ ما الذي يمنع “علي حسنين” و”طه علي البشير” و”أبو سبيب” و”البخاري” و”علي السيد” و”جلاء الأزهري” و”صديق الهندي” وعدد من خلفاء الطريقة الختمية كالخليفة “ميرغني بركات”.. ما الذي يمنعهم من الوحدة والدعوة لمؤتمر عام لحزب شامل سيرث كل الفصائل الاتحادية الأخرى بما في ذلك حزب الدكتور “الدقير” عندما يهرب الناقمون داخله إلى الكيان الأكبر الجديد.
{ يمنعهم شيء واحد فقط.. فهم متفقون على كل شيء، بما في ذلك مخالفة “الميرغني” وأنجاله، لكن- غالبهم- يريد أن يكون (رئيساً) للحزب.. لا أميناً عاماً ولا رئيس مكتب سياسي ولا أمين علاقات خارجية!!
{ “حسنين” لن يقبل برئاسة “أبو سبيب”، و”أبو سبيب” لن يرضى برئاسة “طه”، و”جلاء” لا تقبل برئاسة “صديق”، و”صديق” لا يرضى بأن يكون أميناً دون “جلاء”، ولهذا اتفقا- الأخيران- في أغرب اتفاق يشهده حزب سوداني وربما على نطاق أفريقيا وأوربا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية بأن يشغل شخصان مقعد (الرئيس)!! حتى إذا ما فاز هذا الحزب برئاسة “جلاء” و”صديق” بانتخابات رئاسة الجمهورية في السودان، صار للسودان رئيسان للجمهورية في آن واحد!! أحدهما يفضل قصر “غردون” القديم بقيمته التاريخية، بينما يتمطى الآخر في المكتب الفاره بالقصر الجديد، وبينما يزور أحدهما “الصين”، يشارك الآخر في اجتماعات قمة الاتحاد الأفريقي.. مثلاً!!
{ سادتي.. اتركوا هذا العبث.. لم يعد في العمر بقية لمعظمكم لا في (الاتحادي) ولا في حزب الأمة القومي، ولا المؤتمر الوطني أو المؤتمر الشعبي، فقد بلغ أكثركم من العمر عتياً وتجاوزتم عتبة (السبعين)، فلا تهدروا الوقت في التناحر على مناصب وهمية، اتفقوا- أيها الاتحاديون- جميعاً على مؤتمر عام، واختاروا “أبو سبيب” أو غيره رئيساً، و”صديق الهندي” أميناً، و”حسنين” و”جلاء” و”البخاري” نواباً للرئيس، و”طه” لرئاسة المكتب السياسي، و”علي السيد” للمكتب التنفيذي، مثلاً، وتوزعوا بقية القطاعات والأمانات، واستعدوا لانتخابات 2020 التي تبقت لها (أربع) سنوات، غير كافية للوصول لأطراف ولايات دارفور وأقاصي غرب وجنوب كردفان.
{ في مرحلة لاحقة ستلتقون في منتصف الطريق بـ”الحسن الميرغني” و”أحمد سعد عمر” و”حاتم السر” و”أسامة حسون” و”ميرغني مساعد”، و يومها لا ضير أن تنتخبوا “الحسن” رئيساً في الدورة التالية لدورة “أبو سبيب” ويكون وقتها قد قوي عوده السياسي، وخبر السلطة وعرف المعارضة.
{ غداً نحدثكم عن حزب الأمة القومي.. وأزمة الإمام “الصادق” مع السيد “مبارك الفاضل” ومستقبل “عبد الرحمن الصادق” و”مريم المنصورة”.


تعليق واحد