الصادق الرزيقي

لا تقربوا رفع الدعم


> لسنا في حاجة للتأكيد بأن إصلاح العطب والاختلال في الاقتصاد السوداني، يقتضي شجاعة نادرة والقدرة الفائقة على تحمل تبعات القرار الصعب، مثلما فعل الإمام الخميني عندما قبل بقرار وقف الحرب العراقية الإيرانية قبيل وفاته بأشهر قليلة في 1989م، عندما قال «هذا السم أتجرعه».. فأي قرار يداوي علل الاقتصاد ليس سهلاً ولا ما يترتب عليه أمر هين، تُقبل عليه الحكومة كأنه جرعة ماء سهلة الاكتراع، وحاولت الحكومة عدة مرات العمل على رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والدقيق والقمح، كما أشار وزير المالية في البرلمان أول من أمس، وهذه إجراءات ذات حساسية هائلة وخطورة بالغة، لا تستطيع الحكومة تحمل كلفتها الآن، بالرغم من صحتها كخطوة واجبة لمعالجة علة الاقتصاد، لارتباط الاقتصاد بالسياسة والاستقرار وتلازمه مع كل المجالات. فليس من اليسير في ظرفنا الراهن مفاجئة الشعب بقرارات رفع الدعم والطلب منه تقبلها والإذعان لها، حتى لو كانت هي المخرج الوحيد.
> مهما كان، فالوضع حرج وصعب في الجانبين، لدى الحكومة، ولدى عامة الشعب المدعوم من جيب الحكومة، فالحكومة تعلم كما يعلم كثير من الناس، إنه من أكبر الأخطاء الاقتصادية الفادحة لدولة نامية مثل السودان لم تستطع استثمار مواردها الطبيعية وتسخير قدراتها وثرواتها للنهضة والتقدم وتحقيق الرفاء الاجتماعي والاقتصادي، هو لجوئها إلى سياسة الدعم للسلع والخدمات، ولم يعد هنالك اليوم في كل عالمنا الفسيح من يقر بسياسة دعم السلع وخاصة المحروقات والدقيق والقمح، إلا دول قليلة اتخذت معالجات أخرى لسد العجز في ميزان مدفوعاتها ودعم الإنتاج وتحسين وضعها المالي والاقتصادي.
> مع كل هذا.. وهي حقائق لا جدال فيها، بخطأ الاعتماد على الدعم الى ما لا نهاية، إلا أن الحقيقة الأكثر مرارة، تتلخص في أن الحكومة ليست في وضع يمكنها الآن من اتخاذ إجراءات شاملة وعاجلة وسريعة برفع الدعم كما جاء على لسان وزير المالية، نسبة لوجود ظروف ومعطيات موضوعية، فمثل هذه القرارات تحتاج الى غطاء سياسي جيد ونشاط ضخم للجهاز السياسي، حتى لا تكون النتائج كارثية كما حدث في سبتمبر 2013م، عندما وقعت الأحداث على خلفية اعتزام الحكومة يومئذ رفع الدعم.
> ففي مثل الأجواء الحالية برغم ما تعانيه الحكومة من صعوبة بالغة في توفير الاحتياجات الضرورية في الجوانب المعيشية والصرف عليها وانخفاض سعر صرف الجنيه وتدني الإنتاج في القطاعات كلها الزراعية والحيوانية والصناعية، وما يعانيه الاقتصاد من تردٍ مريع وفرص نمو تكاد تكون معدومة، فلا يمكن تصور أن الحكومة ستقدم على خطوة غير محسوبة النتائج وتلجأ للخيار الصعب جملة واحدة حتى لو تم عن طريق تدرج محسوب في تطبيق سياسة رفع الدعم .. وقد ذكر وزير المالية إن تطبيق ذلك سيكون العام المقبل الذي تبقت منه أياماً معدودة، في إطار إعادة هيكلة الاقتصاد وسياسة الدعم. فهل تستطيع الحكومة مواجهة حالة الغضب الشعبي العارم في حال إقرار هذه الإجراءات؟..
> الاقتصاد ليس علماً جامداً كما يتصور حتى بعض الاقتصاديين، هناك دائماً فرص وخيارات وأفكار وتفتقات ذهنية على حلول أخرى قد لا تكون متوفرة للحكومة حالياً لكنها موجودة، فمعالجة التهرب الضريبي ومد مظلته يمكن أن يضع يد الحكومة على وفورات مالية كبيرة قد تقارب ما تنفقه في دعم السلع، ومراجعة السياسات النقدية والمالية وما يتصل بالواردات وتشجيع الإنتاج والاستثمار وخفض التضخم، قد يكون الأسرع من أية إجراءات أخرى دون أن تلقي أعباءً ساحقة على كاهل المواطن.
> والغريب أن إجراءات رفع الدعم تؤثر تأثيراً مباشراً على المواطن، بينما الحلول الأخرى ذات وقع أخف وغير مباشر، فإذا لجأت إليها الحكومة مع التدرج المعقول في التخلي عن سياسة رفع الدعم، ستكون أقل كلفة.. فقبل أن تخطو الحكومة عليها أن تقدر موضع قدمها، ولا تقرب موضوع رفع الدعم إن لم تسد كل الذرائع التي تؤدي إلى تحويل الأمر لمعضلة سياسية..


تعليق واحد

  1. الاخ الكاتب يريد اقناعنا بان الحكومه ما زالت تدعم بعض السلع يا اخي الكاتب نحن قمبورنا ده خلاص قلعناهو …بكم تدعم الحكومه مثلا البترول والذي هوي سعره من 120 دولار الي اقل من 40 دولار للبوميل اما القمح فاسعاره لم تعد امرا سريا فبضغطه واحده في موقع عمك قوقل ستعرف الدعم الحقيقي لسلعة القمح ….فرجاء احترام عقول القراء…يمكنك ان تتحدث عن فشل جماعتك من الان والي ملا نهايه فما في داعي تضحك علي عقولنا