الهندي عز الدين

حزب الأمة .. أزمة الثقة بين “الصادق” و”مبارك”!


غض النظر عن صحة أو عدم صحة ما تم تداوله قبل أيام عن وساطة بين زعيم حزب الأمة القومي الإمام “الصادق المهدي” وابن عمه السيد “مبارك الفاضل” رئيس حزب الأمة – الإصلاح والتجديد الذي تفرق بعد عدة سنوات شذر مذر، وانخرطت فصائله المختلفة في السلطة، بينما بقي كبيرهم الذي علمهم السحر بعيداً عقب مغادرته القصر الرئاسي الذي كان يشغل فيه منصب مساعد رئيس الجمهورية .
لاحقاً .. وفي إطار وعود بالتسوية من جانب السيد “الصادق”، أقدم (البلدوزر) “مبارك الفاضل” – وهذا لقبه وسط أحبابه قبل أن يخلعه الرئيس “البشير” على البروف “مأمون حميدة” – أقدم على حل مؤسسات حزبه وقبل بالعودة إلى الحزب الكبير، لكن شيئاً ما أوقف التسوية، وظلت الأمور على حالها، إلى أن تم اعتقال السيد “الصادق” في مايو عام 2014، فإذا بعمه الإمام “أحمد عبد الرحمن المهدي” وابني عميه “مبارك عبد الله الفاضل المهدي” و”الصادق الهادي عبد الرحمن المهدي” يفاجئونه في سجن كوبر بزيارة أسرية ساخنة وغير مسبوقة طوال سنوات اعتقاله من عهد (مايو) إلى زمن (الإنقاذ)!
انتهت الزيارة إلى تعابير حميمية وآمال خضراء بالعمل الجاد على لم شمل (آل المهدي) وتوحيد فصائل حزب الأمة .
ثم لم يحدث شيء ولم يستجد جديد في هذا الملف .. وغادر الإمام “الصادق” البلاد مغاضباً وناشطاً متزعماً من جديد للمعارضة السياسية بالخارج، وظل “مبارك” معتكفاً وصامتاً بانتظار الفرج.
الآن .. وقد اتضحت الأمور وتمايزت الصفوف في الساحة السياسية ما بين منخرط في الحوار الوطني، ورافض له داعياً لطريقة ومنهج مختلف لحوار يفضي للتغيير، وبعد أن ثبت أن السيد “الصادق” ما زال يلعب (وحده) في حزب الأمة القومي محلياً ودولياً، فإن عوامل تقدم العمر، ومحدودية طاقة الإنسان مهما كان ضاجاً بالحيوية والنشاط، فضلاً عن حاجة الحزب الماسة إلى المزيد من (الديناميكية) الخلاقة، وتجميع القدرات وتقوية الصف، متصلاً مع إعلان السيد “الصادق” نفسه قبل أربع سنوات، بأنه يتهيأ لمغادرة الرئاسة وتكليفه لأجهزة الحزب بترشيح أسماء متعددة للخلافة، وقد كنت حاضراً لهذا الإعلان في ثنايا خطاب ضاف بملتقى السياسة والصحافة بدار الإمام بأم درمان، فإن هذه العوامل وغيرها تفرض على زعيم حزب الأمة القومي أن يمضي قدماً في (استعادة) عدد من كوادره القيادية وعلى رأسها السيد “مبارك” .. والبقية تأتي .
وفي رأيي أن المشكلة بين السيدين “الصادق” و”مبارك” (نفسية) أكثر منها (سياسية) وتنظيمية.
السيد “الصادق” لا يطمئن لطموح ابن عمه الزائد، ويخشى من خططه التوسعية وطريقته التمددية التي يمكنه من خلالها وضع الحزب في (جيبه)!
(الإمام) لا يخشى على نفسه، فالبون السياسي والثقل الفكري والديني بينه و”مبارك” كبير، إذ لم يعرف لنجل السيد “عبد الله الفاضل” اهتمامات أو ميول دينية تجعله من الراغبين في (إمامة) كيان الأنصار، كما أنه غير مشغول بقضايا الفكر والبحث في أصول أو محدثات حول الفقه الإسلامي .. مثلاً، فهو سياسي براغماتي جريء ومبادر وواسع الطيف في العلاقات السياسية والدولية .
“الصادق” لا يخشى على نفسه، لكنه يخشى على من يعدهم لقيادة الحزب، ربما من بين أنجاله وبناته، وإن لم ولن يصرح بذلك.
بالنسبة لي كمراقب، فإن الطريق واضح نحو قيادة الحزب بالنسبة لنجل الإمام الأكبر العميد “عبد الرحمن الصادق المهدي”، هذا طبعاً بعد معالجة الزمن لاشتباك مشاركته في السلطة مع رفض الحزب للمشاركة ما استوجب استقالته من الكيان .
“عبد الرحمن” بدأ عوده (السياسي) يقوى ويشتد، وقد كانت فترة وجوده المستمر في القصر الرئاسي مساعداً للرئيس، بمثابة (فترة تدريبية) مكثفة على طرق إدارة ملفات الدولة والتواصل مع القطاعات الحية في المجتمع، واستقبال المبعوثين الدوليين والسفراء، المشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء، وإجراء المحادثات السياسية مع قيادة الدولة وحزب الأمة في مرات عديدة كوسيط بين الرئاسة ووالده، ومعرفة مراسم وبروتوكولات وأدب الحكم والحاكمين .
ورغم هذا وذاك، فما المانع الذي يحول بين تقاسم “مبارك” و”عبد الرحمن” قيادة حزب الأمة خلال السنوات المقبلة، تحت رعاية الإمام “الصادق” وتحت بصره وقريباً من بصيرته؟!
المستقبل بلا شك للعميد أو الأمير “عبد الرحمن”، ولكن الراهن يستوجب انضمام “مبارك” للركب، نائباً للرئيس أو أميناً عاماً، على الأقل خلال السنوات الخمس القادمة.
وما دامت أن المشكلة (نفسية) بين “الصادق” و”مبارك”، فعلى الأخير وهو الصغير أن يسعى لمعالجتها بإرسال رسائل طمأنة واضحة تدحض ما ينقله البعض داخل الأسرة وخارجها بأن (البلدوزر) سيعمل على إزالة كل حصون (الأسرة الصغيرة) .. أبناء وبنات السيد “الصادق” حيث يلعب معظمهم مباراة ساخنة ضمن فريق يواجه “مبارك” في دوري (الصعود أو الهبوط)!!
بدا لي الإمام “الصادق” خلال الأشهر الأخيرة مرهقاً ومنهكاً بالهموم، وهو في حاجة ماسة إلى ساعد قوي يستند عليه، ولو لدورة انتخابية واحدة، ولا يتوفر بالمواصفات المطلوبة غير ابن عمه “مبارك” الذي يتوجب عليه أن يقبل في إطار (مشروع الطمأنة) بأي عرض من طرف زعيم الحزب وإمام الأنصار، مهما صغر، فالرجال هم من يصنعون قيمة للمناصب، بينما لا تصنع المناصب رجالاً.
أما الدكتورة “مريم الصادق” التي قالت قبل يومين إنها لا تتهيب أي منصب قيادي بحزب الأمة وأن نموذجها (ملكة سبأ)، فأظن أن طريقها لرئاسة الحزب ملغوم ومفخخ، حتى ولو بعد (عشر سنوات)، لأسباب معلومة متعلقة بالحزب وكيان الأنصار، وأسباب أخرى ذات صلة بشخصية “مريم” التي امتحنت كثيراً خلال السنوات الأخيرة. مناصب قيادية عديدة دون الرئاسة متاحة بالتأكيد أمام السيدة “مريم المنصورة”.
وإذا كان السيد “صلاح جلال” القيادي بالحزب قد نفى أمس توسطه بين السيدين “الصادق” و”مبارك”، فإننا ندعوه لمصلحة الحزب والبلاد والعباد أن يعمل هو وغيره على تحقيق ما نفاه، فكلما تعافى حزب كبير في بلادنا .. تعافى الوطن.