عثمان ميرغني

ما أشبه الليلة بالبارحة!


في نوفمبر عام 1984 عقد وزير الطاقة الدكتور الشريف التهامي مؤتمراً صحفياً قال فيه (موقف الكهرباء معقد.. والأزمة ستستمر حتى العام المقبل..).
في ديسمبر من العام 2015.. وزير الكهرباء معتز موسى يصرح أمام البرلمان (موقف الكهرباء معقد.. والقطوعات ستسمر العام المقبل).
ما أشبه الليلة بالبارحة.. نفس الأزمات ونفس الكلمات.. ونفس التبريرات.. بل ونفس الـ(لا) حلول.
بدر الدين محمود وزير المالية في ديسمبر 2015 يرمي باللائمة على الشعب في الأزمة الاقتصادية.. ويقول إن الشعب (عاطل) و(مستهلك).. وهو سبب بلاوي البلد.
في ديسمبر 1984 الحكومة تتهم الشعب بأنه سبب بلاوي البلد.. والأزمات الخانقة التي وصلت حد إعلان محافظة الخرطوم منع ممارسة أي نشاط تجاري وإغلاق كل المحلات (ما عدا الصيدليات وعيادات الأطباء) من الساعة الخامسة مساء حتى السادسة صباح اليوم التالي يومياً.
في يناير 2014 الحكومة تعلن (الحوار الوطني الشامل).. وفي يوم 2 يناير 1985 المانشيت الرئيس لصحيفة الصحافة (الحكومة تعلن الحوار الوطني الشامل).
إذا كانت مشاكل بلادنا اليوم هي ذات أزماتها قبل أكثر من ثلاثين عاماً فلا يجب أن تكون الحلول هي ذات الحلول.. فالزمن تغير والإنسان والدنيا ولم يعد مجدياً أن نعاند متغيرات العصر.
من الممكن الخروج من كل أزماتنا الاقتصادية وبضربة واحدة (One click) إذا اعترفنا أن المشكلة الاقتصادية هي مجرد أعراض المرض المزمن الذي تعانيه بلادنا.. فالعلة هناك في موضع آخر.. في الملعب السياسي.. وما لم تحل المعضلة السياسية لا يجدي أي حديث عن خطط اقتصادية مهما تذوقت بالأفكار والمشهيات.
وبكل أسف لا يبدو من سياق المشهد السياسي الراهن أن الحكومة وحزبها الحاكم مقتنعة أو مدركة أن الحل السياسي لم يعد (مستحباً) بل (فرض عين) إن لم تدركه سريعاً ستدركها الطامة سريعاً.
المسار السياسي له فرعان.. الأول في المكونات السياسية النشاطة في المسرح السياسي المدني.. والآخر في الفصائل الحاملة للسلاح في الأقاليم الثلاثة (دارفور، جنوب كردفان، النيل الأزرق).. وفي تقديري أن نقطة الحل التي يمكن أن يتراضى عليها الجميع سهلة جداً.. ويمكن بلوغها في أقل من أسبوع لو خلصت النوايا.
لكن المتوفر حالياً في أسواق السياسة هو مجرد حرث في البحر.. الحوار الوطني الدائر حالياً في قاعة الصداقة يكاد يصل نهاية ثلاثة الأشهر دون أن تلوح في الأفق أي مؤشرات تدل على قرب قطف ثماره.. بل على العكس تماماً الإحباط يحيط به من كل جانب حسب الإفادات التي نسمعها من المشاركين في الحوار أنفسهم.
ومفاوضات أديس أبابا تعدت الجولة العاشرة ولا يزال الكر والفر يسيطر عليها.. ولو استمرت على هذا المنوال فلا سقف لأمدها.
يجدر أن تدرك الحكومة أن الحل السياسي الدائم للأزمة السودانية لم يعد ينتظر (أريحية) و(كرم) المؤتمر الوطني.. فكما هو الحزب الحاكم.. فهو الأكثر خسارة من سيناريو (اليوم الآخر!).


تعليق واحد

  1. …ولكن قبل ثلاثين سنة كنا في المرحلة الثانوية … الدراسة مجاناً وقبلها في المرحلة المتوسطة كنا في السكن الداخلي كأبنا ريف نأكل ثلاث وجبات وشاي الصباح وحليب في المساء وبلح وفول سوداني مرتني في الأسبوع والساردين المستورد والجبنة الرومية مرتين في الإسبوع …وكل الأدوات المدرسية مجانية …وكان الناس متقاربون في المستوى المعيشي ليس هناك تفاوت مثل الآن يخلق الجشع والطمع والحقد الإجتماعي والفساد … الآن كل شيء بفلوس والدولة ومكوسها وضرائبها دخلت حتى جحر الضب لم تتركه … إنعدام وشح السلع يتساوى فيه الجميع … الآن كل شيء موجود تتمتع به الطبقات العليا … والفقراء والمحرومين يمرون يومياً على الأسواق وبيوت الأغنياء لخدمتهم ويلاحظون الحرمان الذي فيه أسرهم وأبناءهم ومن هنا تتوالد أمراض المجتمع ويتفاقم الغبن …عفوا القياس والمقارنة معدومة يا أستاذ …