مقالات متنوعة

محمد لطيف : الطريقة الإمبريالية.. تدين وزير المالية


في تسعينيات القرن المنصرم.. كما تذكرون.. كانت العلاقات السودانية المصرية في قمة تدهورها.. حد سحب السفراء من هنا ومن هناك.. ثم بدأت تلوح في الأفق بعض بوادر انفراج.. بدأ حديث هامس عن البدء بإعادة السفراء.. ولكن أي من الدولتين لم تكن قد أرسلت ترشيحها للدولة الأخرى.. ومعروف أن الدولة لا تكشف عن اسم سفيرها لدولة أخرى إلا بعد موافقة الدولة المعنية على الترشيح.. وتصادف في ذلك الحين.. أن مسؤولا سودانيا كبيرا قد هبط القاهرة آنذاك.. ولا داعي لذكر الأسماء.. وقد عرف ذلك المسؤول بالقفز على ملفات الآخرين.. وبحب التصريحات.. الشاهد أن مسؤولنا قضى في القاهرة أياما دون أن يدري أحد ما فعل.. ولكنه.. وما إن وصل مطار الخرطوم حتى فاجأ الجميع بتصريح ملتهب قال فيه.. إن السفير المصري الجديد سيصل الخرطوم قريبا.. واسمه عبد الحق..!
كان جليا أن الموضوع.. لفح.. كما تصف دارجتنا مثل هذه الأفعال.. تذكرت شخصيا هذه الواقعة وأنا أتابع تصريحات رئيس اتحاد العمال التي قال فيها إن وزير المالية قد أكد له أنه لا رفع للدعم عن السلع في الميزانية الجديدة.. فقد كان مهما أن يقف الناس على السياق الذي وقع فيه هذا النفي من وزير المالية.. والموضوع ليس مما يحتمل أن يقال فيه حديث عارض ثم يمضي قائله دون أن يترك ذلك الحديث أثرا.. فالفرق بين رفع الدعم وتركه هو في الواقع يساوي مليارات الجنيهات.. الأغرب من ذلك أن ذهاب الدعم أو بقاءه ذو صلة وثيقة بأرقام الميزانية.. فكيف يكون لوزير المالية موقفان متعارضان خلال أسبوع واحد.. والحال كذلك.. فنحن أمام أحد احتمالين.. إما أن وزير المالية قد (فوت) رئيس اتحاد العمال.. أي لم يكن صادقا معه وهو يبلغه أن لا رفع للدعم.. وهنا أتفق مع الأخ ضياء الدين بلال الذي طالب أمس بضرورة أن يكون النفي مباشرا من الوزير إلى الرأي العام لا عنعنة عبر رئيس اتحاد العمال.. أما الاحتمال الثاني فهو أن الوزير حين تحدث عن رفع الدعم لم يكن جادا في حديثه أمام البرلمان وأنه كان يحاول جس النبض فقط.. ولكن هذه يضعفها حقيقة خطة الدولة المعلنة منذ سنوات عن الرفع التدريجي للدعم عن السلع.. رغم أن الدعم نفسه بات الآن محل شك في وجوده أصلا.. بعد سيل الأرقام التي سالت الأيام الماضية كاشفة الحجب عن الأرقام الحقيقية لتكلفة السلع.. ولكن العودة لبعض الوقائع يجعلني شخصيا أميل للفرضية الأولى.. وهي أن رئيس اتحاد العمال قد تم (تفويته ساكت).. والوقائع ذات صلة بمواقف وزير المالية وسلوكه في الأداء العام.. ففي اجتماع مشهود للوزير مع جمعية حماية المستهلك وبحضور وزراء آخرين إبان أزمة الأغذية المحورة.. وسعيا لتهدئة الوضع تعهد الوزير بدعم الجمعية.. ولم تنل الجمعية فلسا واحدا من وزارة المالية رغم أن قانون مفوضية العون الإنساني يلزم وزارة المالية بدعم المنظمات بعشرين ألف جنيه سنويا.. ورغم أن منظمات أخرى يعلمها الوزير تحصل على أضعاف ذلك.. أما إذا طبقنا الطريقة (الإمبريالية) على السيد وزير المالية.. التي تقضي بإسقاط مصداقية كل من يمارس (فاحشة) التهرب الضريبي (عندهم طبعا) فحكايته الشهيرة مع الضرائب تكفي..!
ولنا عودة للعلاقة بين الوزير والمستهلكين وقانونهم..!