الطاهر ساتي

السماء لا تمطر ..!!


:: ومن طرائف الأخبار، وزارة الصحة تعد خٌطة لتوطين صناعة (650 صنفاً دوائياً)، ثم تسلها لمجلس الوزراء، وتقول أنها خطة للإكتفاء الذاتي من تلك الأصناف بحلول العام (2018).. والجدير بالإشادة فأن الرقم الذي يُشير إلى عدد الأصناف الدوائية المستهدفة – 650 – رقم جيًد وسهل النطق وتم إختياره بدقة، أي ليس رقماً عشوائياً كرقم سيدي الحسن الميرغني العازم على إصلاح حال البلد خلال ( 181 يوماٌ).. ولكن، ما لم يكن قد تم تغيير مهام الوزارات و الناس نيام، فأن وزارة الصحة ( لا تصنع).. أي، بعد التقصي والدراسة والتنسيق مع كل سلطات الدولة بما فيها الصحة، فأن الوزارة التي عليها تقديم الخطط الصناعية – حسب حاجة الإستهلاك و التصدير- إلى مجلس الوزراء والبرلمان هي ( وزارة الصناعة).. !!
:: المؤسسسية في بلادنا دائما ما تمنح الحرية المطلقة للوزراء وغيرهم من المسؤولين.. و ليس بمدهش أن يقود وزير الزراعة أو الرياضة يوما ما الوفد الحكومي إلى مفاوضات أديس، ومن الطبيعي أن ينظم وزير الأوقاف أو وزير السياحة ذات صباح مؤتمر تطوير مشروع الجزيرة وترعتي (كنانة والرهد).. ولذلك، لا نبالي باحتلال وزارة الصحة مهام وزارة الصناعة، فالمسمى في القواميس بالنظام – و السيستيم – في بلادنا هو أن تكون طاقية ( دا) على رأس ( دا).. وهذا لم يعد مهما، فالمهم نجتر الذكرى ونذكركم بأن هذا السودان كان من رواد التصنيع الدوائي.. وكان ترتيبه في الريادة – على المستويين الافريقي والعربي – الثالث بعد مصر وجنوب إفريقيا، وذلك بإنشاء أول مصنع للإنتاج الدوائي في العام (1961)..!!
:: لم تسبقنا دولة عربية غير مصر، ولم تسبقنا دولة إفريقية غير جنوب إفريقيا.. ومع ذلك، هذا بعض حال التصنيع الدوائي في بلادنا .. نسبة إنتاج مصر من إستهلاك شعبها (90%)، وكذلك نسبة إنتاج سوريا ما قبل الحرب كانت (94%)، والمغرب (85%)، و.. و.. كل الدول العربية تكاد تكتفي أو تكتفي و تصدر ( لنا)، ولغيرنا من الدول التي لاتنهض إلا لتحارب ولا تتقدم إلا (في العُمر)..عدد الأصناف الدوائية المسجلة في بلادنا (4599 صنف)، ولا تصنع مصانعنا منها غير (723 صنف)، وهي تعادل (16%).. والنسبة لا تليق بدولة تعتبر من رواد الصناعة الدوائية في المنطقة ..فالعوائق أمام الصناعة كثيرة، وأعظمها هي الإرادة الإقتصادية العاجزة عن توفير مناخ الصناعة .. وكذلك الإرادة السياسية..!!
:: رحمة الله عليه، قالها المرحوم المهندس عبد الوهاب عثمان وزير الصناعة الأسبق، لشعبة صانعي الأدوية ذات يوم بالنص : (منع الاستيراد من الخارج سيزيد من فرص التصنيع المحلي ويشجع المستوردين على الاستثمار في الصناعة المحلية)..ثم طالب سلطات الدولة بعمل قائمة بالأدوية المصنعة محلياً من أجل إيجاد الحماية المناسبة لها من ( المنافسة الجائرة)..وصف المنافسة بالجائرة لأن أثقال الرسوم والضرائب والكهرباء والأتاوات الملقاة على الصناعة الوطنية تحول بينها وبين النهضة والمنافسة بالجودة والسعر..دولة تدعم الإستيراد الدوائي بثلاثمائة مليون دولار سنوياً بيد أن مصانعها تشتري كل مدخلات إنتاجها بدولار (السوق الأسود)، ومع ذلك تعدنا وزارة الصحة بالإكتفاء الذاتي في العام ( 2018).. وما علينا إلا الإنتظار، كمن ينتظر ينتظر القرود يلدن غزلاناً أو السماء تُمطر ( ذهباً وفضة)..!!