الصادق الرزيقي

سد النهضة والطريق المسدود


> انفض سامر اجتماعات اللجنة السداسية التي تضم وزراء الخارجية والمياه حول سد النهضة فشل اللقاء بالخرطوم في إذابة التوتر وتحقيق التوافق بين البلدان الثلاث، وطرحت مصر في هذه الاجتماعات مقترحاً باتفاقية جديدة حول تقاسم مياه النيل عارضتها الخرطوم وأديس أبابا اللتان تريان أن اتفاقية 1959م هي الأساس ولا جدوى لاتفاقية جديدة، ولم يتوصل الوزراء الستة لاتفاق غير الاجتماع مجدداً في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري للتوصل إلى اتفاق أو تمهيد الطريق إليه.
> من الوهلة الأولى لأية قراءة منصفة لما يجري في ملف سد النهضة، إن المخاوف الأمنية والهواجس السياسية تطغى دائماً على الرأي الفني عند مناقشة هذا الملف المهم، خاصة من جانب الشقيقة مصر، فهي تنظر إلى
> القضية برمتها من الزاوية المتعلقة بأمنها القومي والمائي، وهي نظرة تبدو قاصرة وغير محيطة بالتطورات الجارية في المنطقة، بينما ترى إثيوبيا أن مشروعها الذي صار أيقونة نهضتها القادمة ارتبط بشكل متين بعرى الشعور الوطني والقومي لدى الإثيوبيين، ولا يمكنها المساومة بشأنه، وتبدو غير مبالية بما يُثار حوله في المجال السياسي والإعلامي.
> أما السودان، فهو ينظر إلى تعارك الرحى حوله، ومصالحه الحيوية تكمن في استغلال نصيبه من مياه النيل الواردة في اتفاقية 1959م، ورغبته في التوسع في مجال الزراعة والاستفادة من مناسيب مستقرة طول العام من تدفق النيل الأزرق، وإمدادات الطاقة الكهربائية التي يحتاجها في الاستقرار والنهضة الاقتصادية، لكنه في ذات الوقت يريد تجنيب دولتي المنبع والمصب الخلافات التي قد تعطل التواصل والتعاون المثمر بين البلدان الثلاث.
> بالنسبة لمصر فإن تقف عند مفترق طرق وهي تطالب باتفاقية جديدة لمياه النيل، وهي تعلم أن علاقاتها بدول حوض النيل ليست على ما يرام، فاتفاقية عنتبي التي لم يوقع عليها سواها والسودان تؤيدها وموقعة عليها كل دول حوض النيل، ولم تفلح كل الجهود المصرية في استمالة أياً من هذه الدول وليس في وفاضها علاقة تقبل الأخذ والرد في هذا الموضوع غير جنوب السودان وهي دولة حديثة ومولود لم يشب عن الطوق في المنطقة وليس لديه ما يعطيه في الوقت الراهن.
> إذن.. ما هي الخيارات المتاحة اليوم بعد انهيار المفاوضات السداسية؟ وكيف يمكن إيجاد مخارج آمنة من هذه الخلافات المعقدة؟
ليس هناك من خيار غير التفاوض، وهنا يجب أن تُعطى فرصة أكبر لآراء الفنيين المبنية على الأسس العلمية والحجج الهندسية الدامغة، فالحساسيات التي تصنعها السياسة ووسائل الإعلام ليست مفيدة في الوقت الراهن للتوصل إلى اتفاق نهائي، وإذا كان الرأي الفني في الدرجة الثانية من سلم الأولويات في النظر لقضية سد النهضة، فينبغي التركيز عليه حتى تزال الوساوس والهواجس التي عطلت الاتفاقيات بين دول الحوض، خاصة مصر وإثيوبيا زمناً طويلاً. فإذا كانت مصر غير قادرة عملياً على تعطيل بناء سد النهضة الذي وصل العمل فيه إلى نسبة تفوق الـ54% ، ولا قِبل لها بما أعدته إثيوبيا من بدائل في حال تناقص تمويله أو تعثرت القدرات المالية وهي غير موجودة تماماً كما نعلم، فليس هناك من خيار سوى البحث عن حل يرضي كل طرف وتُنهى بشكل قاطع هذه الخلافات.
> وغير خافٍ، أن السودان لابد أن تتواصل جهوده للتوفيق بين أديس أبابا والقاهرة. فمصلحته في تهدئة الأوضاع والاستمرار في التفاهم البنَّاء بما يضمن مصالح الجميع في الاستفادة من مياه النيل سواء أكانت لتوليد الطاقة أم الري، ويجب أن يكون ناصحاً للطرفين بتقليل الخلافات إلى أدنى مستوى لصالح شعوب المنطقة التي يمكن أن تستفيد من القدرات المشتركة في البلدان الثلاث، فمصر وإثيوبيا أسواق كبيرة وصاعدة، وأذكر أن رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ديسالين ذكر لنا قبل عدة أشهر عندما زرناه في مقر الحكومة بأديس ونحن في معية وزير الدولة للإعلام الأستاذ ياسر يوسف، أن إثيوبيا تملك الطاقة والسودان يملك الأراضي الزراعية ومصر تملك الصناعة والإنتاج، فيمكن أن نكوِّن أكبر تكتل لتبادل المنافع والمصالح المشتركة..