منى ابوزيد

رفع الدعم عن المُنغّصات ..!


لا يقاس البؤس من طبيعة الشر بل من مزاج الضحية ..جوزيف أديسون!
مزاج المواطن السوداني الحُر رقعة محرمة، لا يملك أي مسؤول ـــ مهما علا شأنه – الحق في تعكيره بإساءة استخدام السُّلطة! .. لكن السودانيين حكومة وشعباً لا يحفلون كثيراً بحكايات الأمزجة ومسائل الأحوال النفسية.. فهموم مجتمعاتهم ما تزال محصورة في كيس الخضار.. وهدوم المدرسة.. وحبوب الضغط والسكري.. وفواتير الكهرباء.. ورسوم النفايات!!
نحن قوم منشغلون ـ أبداً ـ بعلاج العلل البدنية والشكلانية.. والحديث عن الصحة النفسية في عرفنا ترف مقصور على شعوب الرفاهية، وسادة العالم الجدد ..! لكنّ الحقيقة التي لا نذكرها ــ إلا لماماً ــ هي أن معظم عللنا الجسدية وأمراضنا الاجتماعية تعود إلى أوجاعنا النفسية ..!
لنأخذ المزاج كمثال.. عُسر المزاج أو عكار الدم بالعامية، مرض نفسي عديل! ـــ وبحسب علماء النفس هو نوع خفيف من أنواع الاكتئاب ـــ واسع الانتشار بطبيعة الحال في بلاد تموت من الفقر نيرانها.. حيث حالات الهبوط الحاد في الروح المعنوية والشعور الخانق بالقهر والعجز فالحزن والغضب والإحباط ..!
دراسات علمية حديثة أكدت أنّ سوء المزاج يؤثر على تكوين البشر – من أساسه – فضلاً عن سلوكهم .. حتى أنّ باحثاً بحجم المناوي قد تحدث في كتابه فيض القدير شرح الجامع الصغير عن تأثير سوء المزاج على سِحن وملامح الناس في بلاد الزنج والحبشة ..!
وفي كتابه في الحب والحياة يقول الدكتور مصطفى محمود إنّ المزاج والحب هما سر من أسرار الصحة والمرض .. وليس من مبالغة في قولنا إن السيد المسيح كان يُشفي بالحب ..! لا غرو.. ولا مبالغة.. فالروتين اللئيم.. والبيروقراطية التعسفية.. تلك السلوكيات الوظيفية الجائرة والمنتشرة في دوائرنا وأجهزتنا الرسمية.. لا ترفع الضغط فحسب.. بل تحدث جفافاً واضطرابات خطيرة في الغدد الصماء.. وعسراً دائماً في الهضم واضطرابات في عمليات الامتصاص والتمثيل الغذائي ..!
وقديماً قيل إنّ اليأس الذي هو حال المواطنين الهائمين على وجوههم ـــ بين أروقة ومكاتب خدمتنا المدنية ـــ يؤدي إلى انخفاض الكورتيزون في الدم.. وإنّ الغضب ــــ الذي هو حالهم في مواجهة منافذ الجبايات ــــ يؤدي إلى ارتفاع الادرينالين والثيروكسين في الدم بنسب كبيرة ..!
وإذا ما استسلم المواطن لتبعات زياراته الراتبة لمباني الرسوم ومكاتب الجبايات فسيغدو بلا شك فريسة سائغة لقرحة المعدة والقولون والذبحة.. وهي أمراض لا علاج نهائي لها.. ولا وقاية من شرها.. إلا بصدور قرارات تقضي بفصل بعض السُّلطات ورفع الدعم عن بعضها الآخر.. هل من مذَّكر..؟!