مقالات متنوعة

رندا الشيخ : بيئة العمل.. هل فعلاً تؤثر؟!


ما الذي تفعله حين تدرك في لحظة من لحظات حياتك أن وظيفتك لم تعد تلبي متطلباتك النفسية؟ أعني أن الملل منها بدأ يغزو عقلك وعاطفتك، ولم يعد الشغف والحماس يرافقك حين بدأت بمزاولة مهنتك، وتسلم مهام وظيفتك؟ ترى هل ستجرؤ على تغيير مسار حياتك كله، أم تبحث عما ينعش روتين يومك، وتسقط من جديد في غرام عملك؟

راودني هذا التساؤل حين قرأت خبرين، أولهما يتحدث عن طبيب ترك مهنة الطب لتحقيق متعة أخرى بحياته! فقد كان يهوى تسلق الجبال! والآخر يناقش مشكلة هجرة الأطباء من دول عربية كثيرة إلى الخارج، ورغم دهشتي وشكي في صحة ما قرأت، أخذت أراقب من وقت لآخر وبدقة، بعض الأطباء، وتلك الملامح التي ترتسم على وجوههم أثناء معاينة مرضاهم، حينها رأيت ما لم يعجبني!

رأيت بعضهم متململاً متذمراً، يرد السلام بكلمة، يستمع إلى شكوى المريض دون تركيز، أحياناً يعلق بـ “إمم”، وأحياناً يستمع دون تعليق، ناسياً أو متناسياً أن من أمامه هو إنسانٌ بحاجة للتعاطف والدعم النفسي أكثر من الأدوية التي ينقش أسماءها على وصفته الطبية، ويهديها له حين ينتهي من معاينته، هذا إن عاينه أصلاً!
لكن ما هو السبب الحقيقي لذلك؟ باعتقادي أن لهذه المشكلة أبعادا متفرقة، منها أن بعض المرضى مثلاً يبالغون في شكواهم، سواءٌ بسبب مشاكل نفسية يعانون منها أم ظناً منهم أن هذا هو الصواب، وتكون النتيجة بأن يقضوا ما يقارب ساعة أو أكثر في العيادة، فيسرقون وقت غيرهم ويسببون القلق للطبيب، وخاصة حين يعلم أن بانتظاره مرضى قد قاموا بحجز موعد مسبقاً!

ومنها أيضاً أن ضغط المرضى في بعض المستشفيات، قد يصل لحد لا يسمح للطبيب بأخذ فترة استراحة ولو لخمس دقائق بين كل معاينة وأخرى، ليستعيد تركيزه ويتهيأ لاستقبال حالة مرضية جديدة لمعاينتها.

ويعتبر ضغط العمل هذا من أهم الأسباب التي تؤدي لارتكاب الأخطاء الطبية التي يقع فيها الأطباء، بسبب فقدان التركيز والإرهاق الذي يعانون منه، فهم بشر وبحاجة لدقائق يلتقطون خلالها أنفاسهم، أضف إلى ذلك عدم الاستقرار النفسي الذي يعانون منه بسبب تأخر رواتبهم، أو عدم ترقيتهم أو ساعات الدوام الطويلة وغيرها، وقد لا تنفع محاولاتهم اليائسة لاستعادة شغفهم وحبهم لهذه المهنة الإنسانية، فيقعون رغماً عنهم رهينة لليأس والإحباط.

إن التقدير المعنوي والماديّ، وبيئة العمل المريحة والمرضية للموظف، أياً كانت المهنة التي يزاولها، أمور مهمة وضرورية لزيادة الإنتاج، أو حتى للحفاظ على جودته، وفي الطب قد لا يهم تقديم الخدمة بقدر ما تهم جودة الخدمة المقدمة، فالمسألة هنا تتعلق بأرواح البشر، وخطأ صغير قد يؤدي إلى كارثة.

والدعوة هنا موجهة لإدارات المستشفيات (الخاصة) للابتعاد عن التركيز على الأرباح المادية، والاهتمام بتوفير هذه البيئة المناسبة، التي تجعل الطبيب يشعر بالرضا والتقدير لما يقدمه من خدمة للبشرية، ولن ننسى أن نهمس بأذن أطبائنا في القطاعين الحكومي والخاص، بأن المرضى أمانة في أعناقهم أمام المولى عز وجلّ.