جعفر عباس

أمثال شعبية هدية لوزير المالية


الأمثال الشعبية مستودع ضخم للأفكار، والقيم الإيجابية في معظمها، بل وحتى «السالب» منها يعكس مفاهيم سائدة «إذا كترت الهموم اتدمدم ونوم»، يعني إذا لم تجد غاز الطبخ، ولم تكن تملك عملة صعبة لشراء البصل، وصارت عشرين رغيفة لا تملأ بطون أفراد عائلتك الأربعة لأنها مايكروسكوبية، فلا تغادر الفراش، لأنك إذا لم تتدمدم وتنُم، ستجلب على نفسك هما إضافياً يتمثل – في وقتنا الراهن – في نزلة برد، تسبب لك حمى، فيذهبون بك الى مستشفى، فيدبسوك في ملاريا أنت بريء منها، وبعد ان تهد عقاقير الملاريا حيلك، وتتفاقم الحمى يقولون لك «دي تايفويد»، ويتدفدف جسمك بكوكتيل عقاقير جديدة، ثم يتذكر أهلك «القرض» وأنت كدت «تنقرض»، وبعد التبخير به لعدة أيام تسترد شيئاً من عافيتك.
ولعل السيد بدر الدين محمود وزير المالية، كان ينتقد فينا التزامنا بالمثل الذي يحض على النوم كوسيلة لدرء الهموم، عندما عاب علينا الخمول والتبطل، ولكن الصحافيين تذكروا مثلا مضاداً وأشهروه في وجه الوزير: «الولد اللي ما بيبكي أمو ما بترضعو»، فلم يتركوا له جنباً يرقد عليه، إذ تعالت منهم صيحات الاستنكار والاستهجان، ولكن الوزير لم يسحب كلامه، بل سحب قراراً كان يعتزم إصداره برفع أسعار القمح والوقود والكهرباء. (بالتلاعب بالألفاظ، بالزعم بأن الأمر يتعلق برفع الدعم عن تلك السلع، بينما لا توجد سلعة أو خدمة واحدة مدعومة في بلادنا، ما لم تكن الكلمة مستخدمة بمعناها في العاميات الخليجية، حيث دعم تعني «صدم» ومدعوم تعني مصدوم أي تعرض للصدم، و»الوزير دعمني» تعني أنه «صدم سيارتي بسيارته».
وهكذا أتى بكاء الصحافيين بنتيجة إيجابية، أهمها ما انفردت به (الرأي العام) يوم الإثنين الماضي، في سياق عرضها للخطوط العامة لميزانية العام المقبل، بأن عدد الأُسر المستفيدة من الدعم من الخزينة العامة، سيرتفع من 500 ألف إلى 600 ألف، وهكذا يصبح السودان أنموذجا لدولة الرفاهية «ويلفير ستيت»، حتى قبل قيام سد ستيت، بس نفسي أعرف على أي أسس تم تحديد الأسر المستحقة للدعم، وهل هناك 4 ملايين أسرة في السودان، أي نحو 24 مليون مواطن حالتهم مبحبحة؟
ما لي أنا وحديث السياسة والاقتصاد، وأحد أمثالنا يقول «زول الحكومة إذا صادقته أكلك، وإذا عاديته هلكك»، ووزير المالية في حقيقة الأمر معذور، فهو ليس حاوياً، بل إن ولايته على المال العام محدودة، ففكر في اللجوء إلى الحائط القصير (الشعب)، ولما لم يجد وسيلة لسد فجوة الفقر العام والخاص، عمل بالمثل القائل «إذا غلبك سدَّها وسِّع قدَّها»، فكان أن تعرض لهجوم كاسح وأدرك أن «اللي بيشيل قربة مقدودة بتخر عليه»، فخرج علينا بمشروع ميزانية – على ذمة محمد عبد القادر ود الناظر – به بشائر، في حين أنه – حتى لو لم يتضمن ضرائب ورسوم جمارك جديدة – مجرد «لصيق طين في الكرعين» و «ما ببقى نعلين».
ويا سيدي وزير المالية نعرف أن الجماعة شيلوك وش القباحة، وقالوا لك أطلق بالون الاختبار و»الأرضة جرَّبت الحجر»، فتحدثت عن رفع الدعم (الأسعار)، فانفضوا من حولك وتركوك قائماً تواجه العاصفة، أي رموك بدائهم وانسلوا، بل منهم من كان من البجاحة أن قال: التسويها بإيدك تغلب أجاويدك، ولعلك أدركت من هم الذين ينطبق عليهم المثل «. فى الوَشْ حَبايب وفى القَفَا دبَايِبْ»، وتعرضت لقصف ناري وكما تعلم فـ «الجمرة تحرق الواطيها»، فخارج نفسك وتخارج، فالوزارة «ما بتدوم زي الزيق في الهدوم».