عبد الجليل سليمان

تدني لغة الخلاف السياسي.. الإسلامويون


“إذا كانت العبارة المُختارة عنواناً صحيحة، فكيف بخلافاتهم مع مناوئيهم؟”. جيداً أن انسرب إلى السطور التالية، عبر السؤال (الديباجة) أعلاه، ولي مما يسند منطقي ويشد أزره (أسطول) من الحجج والبراهين والأدلة والوثائق، وأقلها الصحف اليومية الصادرة في الخرطوم، فانظروا إلى اللغة التي يستخدمها الإسلامويون عند خلافاتهم بعضهم بعضاً، وابحثوا عن حدها الأدنى، فلن تجدوه.
أنفقت، نيفاً وشهراً كامل، اتقصى ذلك، إذ كنت بصدد دراسة – يتناول فصل منها – ما يمكن تسميته انحدار لغة الخلاف بين السياسيين – فصعقت حين وجدت إن الخلافات بين الإسلامويين في ما بعضهم بعضاً تتصدر هذا المشهد اللغوي المُروع، من بذاءات واتهامات و(مفاحشات) لا نظير لها ولا حد أدنى.
هنا لا بُدّ من الإشارة إلى أن الإسلامويين ليسوا كائنات غريبة هبطت إلينا من السماء، وكما في علم الاجتماع، فإن الإنسان ابن بيئته فهي التي تشكل وعيه وتنظم سلوكه. لكن هنالك عوامل أخرى – يفترض – أن تؤثر على الإنسان وتغير منه، كالتعليم والثقافة والانفتاح. بيد أن الدين (التدين) هو العامل الأكثر تأثيراً – افتراضاً طبعاً – “يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية”، كما ورد في الحديث الشريف، وهكذا يمكن أن تتعارض ثقافة المجتمع مع توجيهات الدين، لكن لا ينبغي أن نوجد لها تبريراً دينياً، بل على الدين يقارعها وينبذها على طريقة (إنك امرؤ فيك جاهلية).
والراصد لتدني لغة الخلاف بين الإسلامويين السودانيين، لن يستثني إلا قلة منهم، فحتى زعمائهم الكبار مثل (الترابي) متورط في إنتاج هذه اللغة والترويج لها، فهو لا يستنكف التعرض إلى مناوئيه بأمور شخصية، أو يكيل لهم اتهامات تبلغ حد الخيانة العظمى (الجميعابي ضد علي عثمان)، وبالطبع فإنهم لا يتوانون في التوسع في بذل هذه اللغة وبسطها إذا كان مخالفهم ليس من فسطاطهم (علماني مثلاً)، حينها يرسلون عليه شواظاً من نار، ومثالاً لذلك مانشيت (يومية الوفاق) الشهير، عندما كان (إسحق فضل الله) رئيسياً لتحريرها، عن التظاهرة التي نظمها داعمون وداعمات للصحفية لبني أحمد حسين في ما سُمّى لاحقاً بقضيِّة (بنطلون لبنى).
لسنا، بصدد المنافحة عن الكيانات السياسية الأخرى، التي تنتج في المقابل – في بعض الأحيان – خطاباً خلافياً بذيئاً، لكننا إذا ما أردنا أن نقول الحقيقة دونما مداورة ولا مجاملة، فإن خِطاب الإسلامويين يفيض أكثر من غيره بهذا المنتج/الغثاء، ولا أجد نفسي متجنياً عليهم في مذهبي هذا، بل بالعكس أجدني أتوخى الحذر الشديد، حتى لا أقع في التعميم وبالتالي (الخلل) فليس مقبولاً أن ننزلق في ما نحن ضده، فأقصى ما نملك هو طرح الحقائق كما هي دون زيادة ولا نقصان، وبالتالي ما من أحد يستطيع أن ينكر علينا نماذجنا الطفيفة التي أوردناها للاستدلال على ايغال الإسلامويون في هذا الخطاب السياسي المُسف، الأمر الذي يتعارض بالمبدأ مع (تدينهم) المُدعى أحايين كثيرة.
بطبيعة الحال، لا تحلم هذه الكتابة بإصلاح لغة الخلاف المتوخاة دوماً لدى الإسلامويين، لكنها ترنو إلى الإحاطة بها والإشارة إليها من أجل التنويه والتبيه إلى أنهم حينما يمارسون السياسة بإدعاء أنهم بشر فوق العادة كونهم متدينين فإن ذلك يكذبه الواقع والوقائع، وهذا ما جعلهم يبدون وكأنهم يبزون العربي القديم الذي سرقت ماشيته، وضربه اللصوص، فسأله قومه وماذا فعلت؟ فقال: أوجعوني ضرباً، وأوجعتهم سباً وشتما!!