رأي ومقالات

البعض في المقابر يتناقشون في الكورة والبعض يدخن وآخرين مشغولون بهواتفهم


هل صارت احزاننا غير نبيلة !!
اليوم وقبل صلاة الجمعة بساعة تقريبا كنت اتصفح الجرائد ، و بجانبي ابني (عمرو) ذي الست سنوات و قد غير قناة التلفزيون من الجزيرة الي (كرتون عربية) وهي قناة اطفالية … فجأة انتبهت لبكاء بصوت عالي في الغرفة المجاورة من ابنة اخي التي كانت تتحدث بالتلفون بما يوحي بوفاة أحد الأقارب ، بسرعة ذهبت اليها في غرفتها واستوضحتها الأمر ، فقالت لي ان صديقتها التي تزوجت حديثا في العام السابق قد توفت اليوم ، لم اتعرف علي صديقتها هذه ، لككني واسيتها وسألت الله ان يلهمها الصبر ولصديقتها الرحمة والمغفرة … ورجعت الي غرفتي مرة اخري ، و أول شئ فعلته اغلقت التلفزيون مباشرة ، دون ان انتبه ل (عمرو ) الذي كان يشاهد فلم كرتون …

سألني باندهاش و ببراءة : ليه يابابا قفلت التلفزیون ؟

قلت ليهو : انت ما سامع اختك بتبكي صحبتها اتوفت ؟
قال بنفس البراءة : يعني الله قال لو في زول مات نقفل التلفزيونات ؟؟

– الله ما قال كدا ، لكن اختك حزينة علي صحبتها ونحن نحترم حزنها ونقفل التلفزيون …

غادر الغرفة وهو غير مقتنع بكلامي … عاد الي بعد دقائق قائلا : يا بابا ( صالحة ) ذاتها قاعدة تبكي وما قفلت تلفزيونها وانت قفلت مني الفلم … واصلت قراءة الجريدة دون الرد عليه ، فخرج يبحث عن العابه طالما فقد مشاهدة الفلم …
في السابق لما كنا أطفال ، عندما يتوفي أي شخص في الحلة، يخيم الحزن علي الجميع كبارا وصغارا … واثناء حمل الجنازة يخيم الصمت فلا تسمع الا قراءات الفاتحة والذكر واحيانا التهليل والتكبير … و في ايام العزاء الثلاث يتم اغلاق كافة اجهزة الاعلام (تلفزيون – مسجل – راديو ) طول فترة العزاء او الفراش ، ويتم اغلاق هذه الاجهزة حتي لو كانت الوفاة في منطقة اخري ما دام هنالك رابطة اجتماعية تربطتنا مع المتوفي ، … ووقتها كان للموت هيبة عجيبة وفي ايام العزاء لا تسمع الا همهمات الذكر وقراءة القران .. والجميع يتحدث في صوت منخفض وحتي الونسة لا تخرج من ذكر الموت أو الآخرة ومدارسة القرآن والاحاديث ….
أما الآن فقد اختلف الأمر تماما ، فتجد البعض يتناقشون في المقابر في الكورة والبعض يدخن وآخرين مشغولون بهواتفهم … وفي بيت العزاء حدث ولا حرج ، تسمع النكات والضحكات ، ونقاشات السياسة ، والهلال والمريخ ، والصامت من الناس مشغول بالوارد من رسائل الواتساب ….

فماذا حدث وغير الناس هكذا بين يوم وليلة !!
هل تغير الموت ،ام تغير الحزن ، ام تغيرنا نحن …؟

بقلم
سالم الأمين