رأي ومقالات

غوغائية الأوروبيين وسذاجة بعض الشرقيين..


إن التجربة الأوروبية الغربية، رغم انجازاتها الكثيرة المدهشة، في ما بعد الحرب العالمية الثانية، وعالم اليوم، تجربة استعبادية، جوهرها الاساسي احتكار القوة الاقتصادية والاجتماعية والقوة العسكرية، وتهميش الآخر، عن طريق قهره وإذلاله.
التجربة الاستبعادية، تجربة مصممة بطريقة لا تسمح للآخرين بنقل أنموذجها، فهي فكرة قلة قليلة، قلة انتهازية نرجسية، ظلت تسير الكثرة الغالبة لمصالحها الشخصية. وقد استخدمت تلك القلة الصفوة من أبناء المجتمع في قهر وقمع الكثرة. ومحاولة التأسيس لعلمانية عربية تقوم على إرهاصات المنهج العقلي الذي انتقل منا نحن الشرقيين الى اوروبا، ذات يوم، محاولة لا تتسم ببصيرة فاحصة نافذة. هذا فضلاً عن كونها نوعاً من أنواع الحرث في البحر. فالتربة الشرقية غير صالحة لإنبات مثل تجربة الحداثة الغربية الزائفة. ولا أعني هنا انها غير صالحة لتبني منهج النمو التقني والعقلي التقدمي، بل العكس، أو تطبيق الديمقراطية والتعددية السياسية. وإنما اعني انها لا تصلح لتبني النظرة الغربية للوجود الإنساني من الناحية الروحية الوجدانية. علاوة علي ذلك، فنحن بوصفنا شرقيين لسنا بحاجة الى اعادة انتاج التجربة الغربية، وإنما بحاجة إلى نقدها والغوص في اعماق اعماق ابحرها المتلاطمة، والبداية من حيث وقفت. وأول ما يجب ان يطوله النقد ونظرته المادية للوجود، هو الغرب وعقلانيته القاسية المفرطة وفردانيته التي قامت على الانتقاص من قيمة الآخرين، في تواصلهم وتكاليفهم التي انبنت على التعاضد الجماعي، الذي هو سر اصالة وجمال المجتمع الشرقي. وأي مشروع جديد لا يستصحب بعداً روحياً، يعد في تقديري المتواضع، مشروعاً فاشلاً، بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، ولا يعدو كونه تكراراً لتجربة الحداثة الغربية، التي أرى أنها انها تعيش، على المستوى الاجتماعي، في تناسق وانسجام جيد، ولكنه مفض إلى زوال، ليس بالبعيد ولا حتى في القريب العاجل.
خلاصة القول: على مجتمعنا الشرقي أن يتجنب الإنزلاق في براثن الحضارة الغربية المادية بشتى ظواهرها، وأن يعاود تشكيل منظومته الاجتماعية والفكرية في آن واحد، وإعادة النظر في التراث الشعبي، لئلا ينهض بركب الأمم المتحضرة والمتمدنة، وإعادة الأمور إلى نصابها.

الطيب آدم أبو كروك
الانتباهة