تحقيقات وتقارير

لاجئو الجنوب في السودان عندما يعبّر الرسميون عن المخاوف


يعتبر السودان من أكبر الدول المضيفة للاجئين الجنوبيين المتأثرين بالحرب حيث قام بتوفير الأراضي للسكن والأمن وتقديم الخدمات لهم من خلال مشاركات هؤلاء اللاجئين للمواطنين في الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها رغم شح الإمكانيات، في ظل وجود معتمدية لاجئين كجهاز حكومي يقوم برعاية وحماية ومساعدة اللاجئين ووضع الخطط والسياسات الخاصة بذلك بالتعاون والتنسيق مع الجهات الدولية ذات الصلة، والتي بدورها بدت شحيحة جداً كون ان السودان يتعامل مع الجنوبيين كمواطنين وفق توجيه صادر عن رئيس الجمهورية.

ويرى الخبراء الذين تحدثوا لـ(الصيحة) أن هذا الوضع خلقته توجهات رئيس الجمهورية بمعاملة الفارين من الحرب في دولة جنوب السودان لداخل أراضي السودان الشمالي التي جاءت متزامنة مع استقبال أول فوج منهم بأن يعاملوا كمواطنين عائدين لبلادهم، وليسوا لاجئين تفتح لهم المعسكرات كما هو متعارف عليه في مثل هذه الحالات، ويتلقون المساعدات من المجتمع الدولي، هذا القرار أفسح المجال للاجئي جنوب السودان أن يمارسوا حياتهم بين المواطنين كما كان قبل انفصالهم عن السودان . ورتب انتشارهم بأعداد كبيرة داخل المدن خاصة العاصمة وحواضر الولايات المتاخمة للجنوب بدرجة جعلت حكام هذه الولايات يجأرون بالشكوى مركزين على الآثار السلبية للاجئين والتكاليف المادية المترتبة على العبء الذي يفرضه اللاجئون على هذه الولايات والدولة والمتمثل في تكاليف إضافية على الموازنة العامة ومخصصات الرفاه الاجتماعي، وإعاقة النمو الاقتصادي وإرباك الأسواق والتسبب في تدهور الأوضاع البيئية ورفع مستوى التوتر.

فجوة في تقييم الآثار

والغريب في الأمر أنَّ هناك فجوة رئيسية في أدوات العمل الإنساني تتمثل في غياب التقييم المستفيض لآثار اللاجئين وحصر عددهم وتحديد اماكن وجودهم، وهذا ما جعل والي النيل الأبيض عبد الحميد موسي كاشا يجـأر بالشكوى ويعلن مخاوفه أمام وفد لجنة الأمن والدفاع بالمجلس الوطني من ازدياد أعداد المواطنين الجنوبيين في ولايته بسبب ارتفاع نسبة تدفقات اللاجئين، كاشفاً عن ظهور أوبئة وأمراض خطيرة فضلاً عن تجارة السلاح والمخدرات التي قال إن جهات تقف وراءها وصفها بالخيوط المحركة من داخل دولة الجنوب لتنفيذ أجندة، وذات الشكوى من انتشار اللاجئين الجنوبيين غير المنظم أعلنها قبله والي الخرطوم عبدالرحيم محمد حسين، واللافت أن المخاطر الأمنية أضحت قاسماً مشتركاً بين تلك الشكاوى الرسمية .

إحدى صور الفوضى

وفي هذا السياق يصف الأمين السياسي لحزب منبر السلام العادل العميد ساتي محمد سوركتي وجود لاجئي دولة جنوب السودان وسط الموطنين دون وجودهم في معسكرات لجوء خاصة بهم كواحدة من صور الفوضى والتسيب في عدم وضع الأشياء وفق وضعها الطبيعي الذي تمارسه الحكومة، ويظهر ذلك في وضع مواطني دولة الجنوب كمواطنين وليسوا لاجئين يخضعون للقوانين والأعراف التي تحكم وجود وتحركات مواطني الدول في الدول الأخرى، وليس لأحد أن يعطيهم حق أن يعيشوا ويعاملوا كمواطنين باعتبارهم أصبحوا مواطني دولة أخرى، ويرى أن معاملتهم بهذه الصفة الممنوحة لهم الآن على أنهم مواطنون إجراء يأتي خصماً على الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن، ويشير إلى أن إشكالية التعامل مع اللاجئين ليس متوقفا عند الجنوبيين وتمتد لتشمل الاثيوبيين والقادمين من دول غرب افريقيا والاريتريين.

ضرورة الحسم

ساتي سوركتي يرى في حديثه لـ(الصيحة) ضرورة حسم الوجود الأجنبي وفق القوانين والأعراف الدولية المتعارف عليها قبل أن يتطور لمراحل متقدمة وتصعب السيطرة على الآثار المترتبة عليها، ويقول “الوضع الطبيعي الأجنبي أجنبي ولا يحسب كمواطن، وإن كان الوضع هكذا لماذا لا تُجمع الدولتان بدلا من هذا الوضع المختل الذي يعطي مواطني دولة أخرى حق التملك والتصرف. هذه علاقة غير سوية وراشدة ووضعية غير منطقية”، ولا ينسى ان يذكر بأن كل الجنوبيين المنتمين للحركة الشعبية كانوا يعملون وفق مخطط كبير معادٍ للسودان الشمالي، ويرى أن تعامل بعض من هؤلاء اللاجئين الحنوبيين في تجارة السلاح والمخدرات (حسب شكوى كاشا) يرى أنه هذا ناتج من عدم شعور هؤلاء بالانتماء للسودان الشمالي لذلك لا يحرصون على أمنه وسلامته ومصالحه ولا يستبعد أن ما يقمون به أمر منظم يتم استخدامهم في ذلك ضد دولة لا يشعرون بالانتماء إليها، لذلك يقومون بهذا العمل.

وضع صحيح

وخلافاً لسوركتي يذهب الخبير في الشأن الافريقي بروفسير حسن مكي إلى صحة قرار الحكومة الذي اتخذته تجاه الجنوبيين بأن عاملتهم كمواطنين وفتحت لهم الحدود وباعتبار أن دولة جنوب السودان أهم منطقة باعتبارها تمثل بوابة للسودان الشمالي لأفريقيا الاستوائية باعتبارها منطقة تجارة وثقافة وفوق هذا تمثل حزاماً أمنياً للسودان الشمالي، ويضيف: “الآن الحرب المشتعلة في الجنوب أثبتت أن العمق الاجتماعي للجنوبيين في السودان الشمالي وليس الدول التي تقع جنوبهم”، ويمضي مكي أكثر من ذلك عندما يوضح أن العلاقة بين الشعبين اكبر من أن تفصلها الحدود، ويقول “ما يحمد لحزب المؤتمر الشعبي أنه لم يتخل عن إخوانه في الجنوب على عكس الحركة الإسلامية الموصولة بالدولة وقد أهملت إخوانها في الجنوب وتركتهم يواجهون مصيرهم”، ويشير إلى أن هناك قبائل رعوية وغير رعوية مشتركة في الحدود.

لا توجد خطورة

حسن مكي ربما لا يجد مبررًا لشكوى الولاة من الوجود الجنوبي فهو يشير الى أن الحكومة لم تستطع أن تسيطر على الوجود الاثيوبي خارج المعسكرات كما الجنوبيين ويقول: “الآن لا يوجد منزل في العاصمة يخلو من فتاة اثيوبية عاملة” لافتاً إلى أن القادمين من غرب افريقيا يمثلون ضعف اللاجئين الاثيوبيين والجنوبيين، مشيراً الى أن ذلك مبعثه أن السودان عرف كبلد للاجئين والمهاجرين من أقدم العصور، ويضيف مكي “لا أرى خطورة في وضع الجنوبيين كمواطنين كما يتحدث البعض”.

عبء اقتصادي

أما عن الآثار الاقتصادية المترتبة على هذه الأوضاع وأثرها في الميزانية والخدمات المقدمة من الدول لمواطنيها مقابل هذا الوجود الكثيف من اللاجئين سواء الجنوبيين أو الاثيوبيين يقول الخبير الاقتصادي البروفسير عصام بوب إن أعداد اللاجئين الجنوبيين غير محددة وإن معسكراتهم الآن موجودة في كل أنحاء السودان وليس النيل الأبيض والخرطوم وحدهما، مشيرًا الى تضارب الآراء حول وضعيتهم وطريقة معاملتهم في البلاد، ويضيف هذا في مقابل الأزمة الاقتصادية المعروفة التي يمر بها السودان ونجمت عنها محدودية في الوظائف المتوفرة، بحانب المخاطر الأمنية الناجمة من وجود موطنين أجانب في البلد دون رقابة كاملة، ويرى أن المشكلة تأتي في غياب الاحصائيات الدقيقة والمعرفة الشاملة بأماكن وجود هؤلاء اللاجئين بكل أعدادهم هذه، هل هم داخل المعسكرات أم خارجها، وإن كانوا في معسكرات هل مسموح لهم بالعمل دون قيود تحكم وجودهم كأجانب، لأن هذا غير مسموح به في القانون الدولي بأن يعمل اللاجئ وفي حال ممارسته لأي عمل يرحل فوراً بل في إوربا يسجن، وايضاً هذا يخالف عندنا القانون المحلي لما يترتب عيه من آثار سلبية على الاقتصاد، ويرى أن الخدمات التي تقدم لهؤلاء اللاجئين من صميم مسؤولية الأمم المتحدة، ويكفي السودان أنه قبل بإقامتهم كلاجئين على أراضيه، خاصة في ظل وجود مفوضية للاجئين تابعة للأمم المتحدة وهي التي التمست إعطاءهم حق اللجوء في السودان، وهذا لا يلزم السودان بتوفير الطعام ومواد الإيواء والتعليم لهم.

أعباء إضافية

يوافق المحلل السياسي بروفسير الطيب زين العابدين بروفيسير بوب أن الحكومة أخطأت عندما قبلت بمعاملة اللاجئين الجنوبيين كمواطنين مضيفاً نحن الآن بدون جنوبيين نشكو من شح الخدمات الصحية وازدحام التلاميذ في الفصول الدراسية اضافة لارتفاع معدلات العطالة، ويرى أن مشكلة اللاجئين ليست محصورة في الجنوبيين، هناك الوجود الأثيوبي الكثيف وغير المقنن ايضاً، وبالتالي المشكلة أصبح أن الوضع صعب الاستمرار معه، ويزيد: مقابل هذا لم تمنح الولايات التي استضافت هؤلاء الجنوبيين ميزانية إضافية وهذا ما جعل كاشا يضج بالشكوى عندما وجد أعباء إضافية في الخدمات يقابلها بذات الميزانية المخصصة لمواطني ولايته دون أن تطرأ عيلها زيادة.

ويعود زين العابدين الى أن قرار معاملة الجنوبيين كمواطنين قرار متعجل لم تتم حوله دراسة، ويرى أن المخرج الوحيد للدولة من هذا المأزق أن تقوم بتسجيل هؤلاء المواطنين وتحصرهم في معسكرات وتلجأ إلى الامم المتحدة ومنظمات الإغاثة لتتعهدهم برعايتها ويشير الى أن هناك تعاطفاً مع الجنوبيين من قبل المجتمع الدولي.

تخوف من المنظمات

وعن سبب رفض الحكومة إقامة معسكرات لجوء قال إن الحكومة تتخوف من أن المعسكرات تفتح المجال لدخول المنظمات الاجنبية باعتبارها هي التي ستتعامل مع هؤلاء اللاجئين، ويضيف أنا لا أرى ضررًا في ذلك وهؤلاء أجانب وكل من يرتكب مخالفة يرحل، وهذا القرار حرم هؤلاء اللاجئين من تلقي مساعدات من المجتمع الدولي، وخلق أزمة واختناقاً في الخدمات المقدمة للمواطنين.

الصيحة


‫3 تعليقات

  1. دي طبعاً عقلية الناس الوقعوا اتفاقية نيفاشا لأن الفهم ضيق!!

  2. واين كان الاحساس بتميز هذه العلاقه يا سيد حسن مكى حين صوت الجنوبيون وبنسبة بلغت ال 99% للانفصال….لاعلاقة للشمال بالجنوب ثقافيا فبقدر ارتباط الشمال بالثقافة الاسلاميه يرتبط الجنوبيون بالثقافة الغربيه فى كل شئ….ان نكون جيران يرعى كل طرف مصالح الطرف الاخر هذا هو المنطق….اما ان يسرح ويمرح الذى انقصل عنك بطوعه واختياره بل وبكثير من العبارات التى قيلت ومن قياداتهم لم تراعى فيها هذه العلاقه التى تتحدث عنها فهذا هو الذى يصيب الكثيرين بقصة فى الحلق….حرب راح فيها الكثير من الطرفين وجودهم بهذه الكيفيه فيه استفزاز لمشاعر الكثيرين

  3. وكمان عندهم الحركة الشعبية فرع الشمال – حزب الخيانة والعمالة