جعفر عباس

جعلونا «فئران» ونصبوا لنا المصايد (2)


في الولايات المتحدة وأوربا، يجب إخضاع الدواء لاختبارات سريرية يشارك فيها أكثر من 4000 شخص، وللوصول الى قرار حاسم حول صلاحية الدواء، لابد من إخضاع أكثر من مائة ألف شخص أحياناً للتجارب. طيب وين تلاقي ناس بالهبل وبسعر التكلفة، وتموت أو تعيش «زي بعضه»؟ شوف لك بلد مواطنيها عيشتهم «زي قِلِّتها» ووزع عليهم الدواء الجديد، ولو نفع خير وبركة، ولو ما نفع خيرها في غيرهم. في بريطانيا فشلت تجربة عقار طبي جديد وأصيب نحو أربعة من المشاركين فيها بحالات تسمم خطيرة فقامت القيامة ودفعت الشركات تعويضات للضحايا بـ»القنطار»، لأنه فئران عن فئران تفرق.. صح؟
ويا عزيزي، أنا وأنت فئران في نظر الهمباتة والقراصنة الأفاقين، بل في نظر وزارة الصحة التي تسمح لشخص أو شركة بالظهور على شاشات التلفزيون، والزعم بأن هناك عقاراً يقضي على الشيب «من غير رجعة»، وشخصيا فإنني بحاجة الى ذلك العقار، ليخلصني من الشيب ويردني الى الشباب، بس يا ويلهم وظلام ليلهم لو خلصوني من فروة رأسي بهذا العقار، الذي نقبت عنه عشوائياً ثم مستعيناً بجهات طبية عالمية ومحلية فقالت: يطرشنا ويعمينا، اي لم نسمع به ولم نره.
وأي شيء تزعم الجهة التي أنتجته أنه يعالج علة ما، لابد أن يمر بثلاث مراحل بعد أن تفرغ المختبرات من تجهيزه، الأولى للتأكد من أنه آمن بعد تجريبه على مئات الأشخاص المدركين أنهم أعلى درجة من الفئران، وبعد الحصول على موافقات خطية منهم بالمشاركة في التجربة عن إدراك كامل informed consent، والثانية للتأكد من فعاليته، وهذه تستغرق عدة شهور أو سنين، والثالثة لإثبات أنه أكثر جدوى من الأدوية المتاحة لعلاج علة ما، ويكون ذلك بتجريبه على آلاف مؤلفة من البشر، أما المرحلة الأخيرة فهي رصد ومراقبة العقار الجديد بعد طرحه في الأسواق post-market surveillance
ولكن يطل علينا عبر الشاشة شخص يقدم لنا العلاج الشافي والنهائي للصلع، وما يسميه الصلع الوراثي (الثعلبة)، بينما حتى علي كبك يعرف أن الثعلبة ليست صلعاً وراثياً، بل صلع مؤقت ينجم في حالات كثيرة ان اضطرابات نفسية، وأهدي صاحبنا علاجاً ناجعاً للثعلبة يضيفه الى ترسانة أعشابه التي تجعل الرأس الأصلع واحة يغطيها الشعر الكريب، خلال عشرين دقيقة: أسهل علاج للثعلبة وهو تساقط الشعر الفجائي في موقع أو أكثر من الرأس، هو أن تأتي بفص ثوم وتقسمه إلى أجزاء وتحك به المنطقة الجرداء، وأضمن لك نمو الشعر وعودته الى حالته الطبيعية، بس ابتعد عن الناس لأن رائحة التوم النيء أو «القدحة» غير طيبة. ويقول أصحاب العشبة التي تقضي على الصلع في ثلث الساعة، إنها مجازة من قبل بعض الجامعات العربية، وحقيقة الأمر هي أنه لا توجد على ظهر الأطلس جامعة من حقها إجازة أي دواء جديد، بل إن أشهر مستشفى في العالم (مايو كلينيك) لا يملك صلاحية إجازة دهان لجفاف البشرة، ولا تستطيع أجعص شركة منتجات صيدلانية أمريكية أن تطرح عقاراً أنتجته وقامت بتجريبه حسب الأصول، دون أن تنال موافقة وكالة الأغذية والأدوية FDA بينما إف. دي. أ. في قاموسنا ترمز الى فهلوي. دجال. أونطجي، تماماً مثل بي إم دبليو العربية BMW (بكرة. معليش. ولا يهمك)
وبدلاً من أن يغضب مني القارئ على نعته بـ»الفأر»، عليه ان يشكرني لأن اختبارات الأدوية تجرى عادة على الخنازير الغينية Guinea pigs وتفادياً لجرح المشاعر قلت إننا فئران. (وبالمناسبة فحتى الغربيون الذين يربون الخنازير ويأكلون لحومها «يستعرون» منها ويقال للشخص القذر، النهم والشره إنه خنزير).