مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : السعودية نحو مركزية إسلامية


عندما تتحد القيادتان الإسلامية والعسكرية في مؤسسة واحدة، هذا يعني أن الدول الإسلامية تجسد مفهوم الإسلام كمجتمع ديني سياسي. من هذه الفكرة الشاملة نبع التحالف الإسلامي العسكري الذي أعلنه ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، مكونا من 34 دولة بقيادة السعودية وتأييد 10 دول أخرى، وذلك بهدف محاربة الإرهاب بكافة توجهاته.
هناك أسباب على قدر كبير من الأهمية تجعل المملكة العربية السعودية على رأس هذا التحالف الإسلامي ضد الإرهاب. أول هذه الأسباب أن المملكة هي مهد الدين الإسلامي وحضارته الباسقة وتحتضن الحرمين الشريفين: الحرم المكي في مكة المكرمة قبلة المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، والحرم المدني المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة. ثاني الأسباب هو موقع المملكة الاستراتيجي عالميا وشرق أوسطيا، ولهذا الموقع تبعات جيوسياسية متولدة عن تأثير اتجاهات الطموحات الإقليمية التي تسعى للتوسع، مزودة بالقوة والتحالفات الدولية المواجهة، مثل التحالف المكون من روسيا، إيران، العراق، وسورية. وبالرغم من أن هذا التحالف الرباعي يفتقر للإطار الرسمي، إلا أن آليته التنفيذية تدار في الظلام من مراكز عدة، غالبها في بغداد لكي تحقق القرب النسبي للمواجهة.
ومن هنا نجد أن سياسة المملكة ليست متأثرة فحسب بالعوامل الجغرافية من حيث الموقع والمناخ والموارد الطبيعية والسكان وإنما هي فاعلة أيضا. وهذه الفعالية باعتبارها دولة قيادية ممثلة للعالم الإسلامي خصوصا في ضوء استقرارها السياسي بشكل عام، وإثر كل اضطراب في المنطقة مما يجعلها تحت ضوء الاهتمامات التي تضاعف من مسؤوليتها لمواجهة الإرهاب.
كما أن هناك أسبابا لوجستية أخرى وهي توحيد الجهود لأن كل دولة تحارب الإرهاب بمفردها. وتعتبر المملكة من أكثر الدول تأذيا من الإرهاب، وفي نفس الوقت تقوم حملات اليمين المتطرف في الغرب بإلقاء المسؤولية عليها واتهامها بالتساهل مع هذه الجماعات. وما زالت المملكة تخوض الحرب ضد الإرهاب داخليا باختلاف تكويناته، خاصة تنظيم داعش الذي نفذ عمليات انتحارية راح ضحيتها المئات والتي تكثفت بين عامي 2014- 2015م كما شاركت في التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة لمواجهة داعش في العراق منذ سبتمبر 2014م.
ومن هنا يجيء دور مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية، لتقوم بدور مكمل للتحالف العسكري وذلك لفك اللبس بين الإسلام والإرهاب، ولمقابلة ما يتم في الدوائر الغربية القريبة من مراكز صنع القرار والمؤثرة على الجماهير من دراسات وتحليلات. حيث اتضح أن للغرب مشكلة في تعريف الإرهاب نفسه ونسبته والخلل المصاحب لتصنيفه بوصفه نشاطا ينتمي إلى نهج السنة دون أن تأخذ التعريفات والأحكام المعممة أي عنف يرتكب باسم الدين من قبل بعض الجماعات الأخرى سنة كانت أم شيعة. وهنا تقف الشعوب الإسلامية في موقف المتلقية دون أن تكون لها إسهامات بارزة في مجالات الفكر والتنوير والدراسة والتحليل.
وقد شهد العالم الإسلامي عهدا من التلقي دون أن يكون هناك مقابل فكري للمشاريع الفكرية الكبيرة منذ ظهور كتاب «نهاية التاريخ وخاتم البشر» لفرانسيس فوكوياما، ثم «صراع الحضارات.. إعادة صنع النظام العالمي» لصمويل هنتنغتون. فلم تقابل هذه المؤلفات إسهامات إسلامية موازية تدحض ما جاء بها من تجن على الإسلام وتنصيبه كمعاد للغرب حضارة وإنسانا. ثم دارت السنون وتراجع كل من فوكوياما وهنتنغتون عن أساس فكرتيهما باعتبارها ناشئة عن استنتاجات للتضاد الفكري وليس للمقاربة الفكرية.
ولكل هذا جاء التأكيد السعودي على أن التحالف ليس لمحاربة داعش وحدها وإنما لمحاربة أي تنظيم آخر يمارس الإرهاب. وكما هو متوقع أن كل من في رأسه ريشة بدأ يتحسسها، فهكذا فعلت إيران التي دشنت أجهزتها الإعلامية لمهاجمة التحالف الإسلامي، وكذلك ستفعل داعش التي ربما تقتلع رأسها عوضا عن الريشة.