جعفر عباس

دافعوا عن صحتنا، وعن شرف المهنة


هل تدرك وزارة الصحة مدى استهتار البلطجية بصحة وأرواح الناس؟ الإجابة القاطعة والمؤكدة، هي أنها تدرك ذلك، ومن حقنا أن نتساءل لماذا تسكت على ذلك؟ وإذا كانت وزارة الصحة شيطاناً أخرس بسكوتها على الاستهتار بعقول وصحة الناس فأين المجلس الطبي، المسؤول عن شرف وأمانة مهنة الطب؟
ما من دولة على وجه الأرض يُسمح فيها للأطباء بالظهور على شاشات التلفزيون في إعلانات مدفوعة الأجر، للتحدث عن قدراتهم الخارقة و»المعجزة الطبية في عالم الإنجاب» مثلاً، والقضاء على التصحر في الرأس «الصلع» في غضون عشرين دقيقة، والقضاء على الشيب تماماً دون صبغة أو حنة بمنتج هو «فخر الصناعة السودانية»، ويظهر على الشاشات أطباء من الهند والسند وسيحون وجيحون ووادي النيل وحوض الأمازون ليحدثونا على قدراتهم على إتيان الخوارق
لو كان في هؤلاء خير، لمكثوا في بلدانهم، لأن الدار أولى من الجار، وبالتالي ليس من العسف الاستنتاج أنهم بحثوا عن سوق «عايرة»، لا حسيب فيها ولا رقيب، فطبوا في بلادنا يبيعون لنا الوهم والمرض، ولو كانت قدراتهم التي يجعجعون بها فيها مثقال ذرة من الصدق، لنالوا جوائز نوبل في الطب والسلام
لم تكن بالمواطن السوداني حاجة لدراسة وممارسة الطب ليعرف أنه من المحرمات والموبقات في مجال المهن الطبية أن يعلن طبيب عن نفسه وتخصصه عبر وسائل الإعلام، وحتى طلبة الطب في السودان يعرفون ذلك، ولهذا لم يحدث أن ابتذل طبيب سوداني اسمه بتسويق نفسه تجارياً عبر وسائل الإعلام.
ولكن ولأننا نكرم الضيف، فقد سكتنا على بلطجية من مختلف الدول، ليطلوا علينا عبر الشاشات ليحدثونا عن المعجزات التي قرروا أن يخصونا ببركاتها، من شاكلة عشب ابن سينا وشجرة ابن خلدون، وريش أم قيردون، وبافتراض أن المواطن السوداني درويش وعلى رأسه ريش (قنبور)، يحدثوننا عن الخواص الإعجازية لأعشاب من غانا والبرازيل والأردن واليمن، وصارت المورينقا مهمشة ويقال إنها تفكر في إنشاء حركة تحرير، بل هناك من جعلنا نتشكك في حسن إسلامنا بإنشاء مركز للرقية الفلسطينية، وكأن شيوخنا ودعاتنا «منزوعو البركة» وكانوا يرقون العباد بآيات ليست من أصل «الكتاب» .
ومستشفى صيني انحلجت صواميله من تكرار الفتح والإغلاق، ومستشفيات ومجمعات طبية كثيرة تسبب وجودها في التغيرات المناخية التي جعلت نهر القاش ينهبش وينبرش ويحيض ويفيض، بعد انتهاء موسم الأمطار بثلاثة أشهر، وتجار الأدوية المضروبة معروفون، ولكن الفأس تقع على رأس الصيدلي وهو ضحية قبل الزبون الذي يشتري بضاعته الواردة من موزع أدوية «معتمد» رسمياً، ولكن غير معتمد أخلاقياً.
بعد ظهور الفياغرا خرج علينا بلطجية لبنانيون بمزاعم بأن نبتة «شرش الزلوع»، لها نفس مفعول الحبة الزرقاء، وقالوا إنهم توصلوا إلى ذلك الاستنتاج العبقري، لأنهم لاحظوا ان تحسناً ملحوظاً يظهر في أداء التيوس بعد أكل النبتة، وكتبت مقالاً في صحف مهاجرة وأخرى خليجية، قلت فيه إن الزعم بأن تلك النبتة تزيد فحولة البشر، استخفاف بالبشر وافتراض بأن ما يصلح للبهائم يصلح لابن آدم، ورد علي صاحب شركة تولت تعبئة نبتة فحولة التيوس بالمقاضاة فتحديته، بنفس الطريقة التي تحديت بها البلطجي السوداني الذي كان يعلن عن جهاز يحمل اسم الساموراي ويزعم أنه يعالج العجز الجنسي للرجال… وأخرستهما.
ويسرني أن ألقي نفس قفاز التحدي في وجوه جميع من وردت معلومات عنهم أعلاه.