رأي ومقالات

خالد عويس يكتب بمناسبة ثمانينية “الصادق المهدي”: الله لا يحرمنا منك


ثمانينية الإمام.. في مقام المحبة
خالد عويس
“تاج السلطان الغاشم تفاحة
تتأرجح أعلى سارية الساحة
تاج الصوفي يضىء على سجادة قش”
– محمد الفيتوري

عشرون عاما هي عمر معرفتي اللصيقة بالإمام الصادق المهدي. ذات صباح شتوي في ١٩٩٥ زرته للمرة الأولى رفقة مجموعة من طلاب حزب الأمة في جامعة الخرطوم للتباحث معه في شؤون سياسية شتى. كان البيت، في الملازمين، كالعادة، مسيّجا ومحاصرا بعناصر جهاز الأمن والمخابرات. كان مجرد اللقاء به آنذاك “جريمة يعاقب عليها القانون”. وكان المتأسلمون حينها يمطرونه بكل البذاءات التي لا يتصورها عقل، دون الأخذ بالاعتبار مكانته وعلمه والحياء الذي يتميز به عنهم. منذ ذلك الصباح الشتوي وطوال عشرين سنة امتدت علاقتي بالإمام الصادق المهدي وتجذرت وتشعبت لتتخذ منعرجات صعودا وهبوطا كما هو شأن المشتغلين بالسياسة بشكل عام، وشابها الكثير من الاختلاف الذي يبلغ درجة الحدة، لكن الجذر الأساسي كان على الدوام الاحترام والمحبة، المحبة الخالصة.
سأزعم أنني صرت صديقا له بدءا من حدود ٢٠٠٣، نعم، فالإمام له أصدقاء يصغرونه عمرا، لكن الجسور الإنسانية والوجدانية سرعان ما تردم أية هوة، تعززها بساطته وروحه الشبابية المرحة وجمال قلبه المتسامح النبيل. نعم، هو رجل يتمتع بنبل غريب وتسامح بالغ حتى مع أشد خصومه جرأة عليه.
عملت ضمن فرق مصغرة معه في بعض الفترات، آخرها خلال العامين الأخيرين، كما كنت برفقته في جولات إقليمية خارج الخرطوم، وكذا قابلت معه مسؤولين حاليين وسابقين من جميع أرجاء العالم، وكذا دبلوماسيين.
في هذا كله، كان هو أوفرنا نشاطا، وأكثرنا إحاطة بالموضوعات، وأكثرنا جاهزية وحضورا. في الجولات الإقليمية، تجده أول من يستيقظ وآخر من ينام. كنت أدهش في كل مرة وهو يهب واقفاً من مقعده ليصافح طفلا في العاشرة !! لا يمكن أن يصافح شخصا، صغر أم كبر وهو جالس.
وهو على عكس زعماء آخرين، يهتم بالتفاصيل الإنسانية الصغيرة، في ٢٠١٠ دعوته ومجموعة من المثقفين المصريين إلى “ريش كافيه” وسط القاهرة، وبمجرد وصوله، همس في أذني بضرورة الاعتناء بالسائقين وفريق الحراسة ودعوتهم إلى المطعم لتناول العشاء !
وخلال لقاءات عدة شهدتها معه مع مسؤولين وسياسيين ودبلوماسيين، كان مثالا للسياسي السوداني شديد الاعتزاز بوطنه، عارفاً بقدر هذا البلد. تواضع في غيرما انكسار، وبساطة ممزوجة بعزة وكرامة، خاصة في موازاة غير السودانيين.
في ٢٠١٠ عدنا فجرا من مطار القاهرة إلى بيته، وكان راغبا في التحدث مع كوب شاي. ذلك كان من أجمل الصباحات معه. لم يتحدث عن السياسة قط، طفنا في الشعر والفلسفة والآداب والفنون، وفيها كلها، كان يتحدث حديث العالم العارف، حديثاً ممتعا جذابا. سألته: لماذا لم تكتب في الفلسفة. أجابني بأن عناصر الأمن والمخابرات صادروا مسوّدة كتاب فلسفي كاد يفرغ منه! سألته عن تسامحه البالغ. قال إنه يرى في كل إنسان جانب مشرق وآخر مظلم، لذا يحاول دائماً أن يرى المشرق و يتغاضى عن المظلم !
في ٢٠٠٤ وبمجرد أن أخبره “محمد فول” برغبتي في أن يتولى هو عقد قراني، وافق دون تردد، وكنت خارج السودان. وبالفعل ذهب إلى مسجد السيد علي الميرغني، ليعقد قراني، رغم وفاة احدى قريباته !
في ٢٠١١ وحين فرغت من مسودة كتابي “إرهاصات الوعي ونكساته.. الجذور الثقافية للمسألة السودانية” كأول كتاب فكري لي، أرسلته إلى نحو ٣٥ مفكرا ومثقفا سودانيا من مدارس مختلفة لأستأنس برؤاهم. ٣٣ لم يردوا أبدا. الإمام الصادق المهدي والسيد أحمد كمال الدين هما فقط من اهتما بمناقشته. هاتفني الحبيب الصديق، محمد زكي: الإمام يرغب في رؤيتك، الجمعة، ١١ صباحا. توجهت إليه في الموعد. وجدت دفترا كاملا بين يديه كله ملاحظات حول الكتاب. استمرت المناقشات حول الكتاب ساعتين، وأفادتني رؤيته جداً، لذا قررت أن أكتب في المقدمة شكرًا خاصا له، لجديته التامة في ما يتعلق بالكتابة والفكر والثقافة.
وحين رتبت مع الصديق طارق الأمين حفلا لتوقيع روايتي “كياح” في بيت الفنون، كان هو على رأس الحاضرين مع السادة مبارك الفاضل وياسر عرمان وأتيم قرنق وحاتم السر والمحبوب عبدالسلام وإبراهيم العوام وآخرين. كان حفلا كما أردته، يعكس الاحتفاء بالتنوع والتعدد.
وكان الإمام الصادق ليلتها حفيا جداً وسعيدا، يشجعني على مواصلة التأليف والكتابة.
وهو إلى ذلك، حين تقترب منه، وفي عز الأزمات والتوتر، ميال إلى خفة الروح والدعابة، تحفه روح شبابية بديعة، وبساطة صوفية محببة إلى النفس.
ألطف الأوقات حين استدرجه للتحدث – بخفة دم بالغة – عن زواج محمد فول ومحمد زكي، وأنا أتمثل الجدية قائلا له: ناقشنا عددا من الأمور المستعجلة في السياسة، تبقى أمر واحد شديد الأهمية ! فيسأل بجدية تامة: نعم ! تفضل؟ فأقول: الحقيقة إن هناك مشكلة وطنية مستعصية، هي زواج محمد فول ومحمد زكي! يغرق في الضحك قبل أن ينتاشهما بسهام مرحه ومحبته الدافقة !
محطتان خشيت خلالهما عليه جداً، يشاطرني في ذلك، محمد فول. رحيل الدكتور عمر نورالدائم، صديقه الصدوق وكاتم أسراره وصفيه وخليله، ثم رحيل سارا الفاضل، زوجته الحبيبة وصديقته ورفيقته في المشوار القاسي، وفي كل مرة، بعد رحيل كليهما، كنت أحس بآلامه الهائلة كلما التقي به، كنت أشعر بكم الأسى والحزن الدفين في أعماقه.
حاولنا جاهدين في أحايين كثيرة – محمد فول، رفعت ميرغني، عباس الفكي، محمد زكي، شخصي، وآخرين بطبيعة الحال – أن نسري عنه، ونخرجه من رهق السياسة إلى رحاب ما يحب. أذكر، مرة، رتبنا مع فرقة الأصدقاء أن نحضر معهم عرضا مسرحيا في قاعة الصداقة، وأخبرناه بذلك، ورحب جداً بالفكرة، وبالفعل توجهنا لحضور المسرحية، وكم ضحك ليلتها ثم صعد إلى المسرح ليصافح أعضاء الفرقة فردا فردا !
وكم رتب محمد فول أيضاً لحضوره أفلاما في السينما في القاهرة. هو يحب الحياة في غيرما إسراف، ويحب وطنه على طريقته الخاصة، ويحب شعبه.
الإمام الصادق المهدي، في رأي أيقونة إنسانية لمن يقترب منه ويعرفه على حقيقته، غض النظر عن اختلافات السياسة والفكر. ما قابلت معه مسؤولا عربيا أو غربياً، ولا دبلوماسيا، إلا ووجدت إكبارا بالغا وإعجابا به وبفكره وثقافته وإنسانيته.
الإمام الصادق:
في ثمانينيتك: نحن نحبك !
نحن نحبك، ونقدرك ونحترمك
صحيح، نختلف معك أحيانا، وبحدة أحيانا، لكن، يوما لم نحس ولم نشعر بأن في صدرك ما يشي بأن ثمة شيئا ضدنا. بل كنت على الدوام المحاور المناقش بمحبة وتقدير واحترام
تعلمنا منك أشياء كثيرة، وكنت المعلّم في أمور كثيرة، وكنت الرقم الفكري والسياسي والإنساني الذي لا يمكن تجاوزه
ما أعظم حتى الاختلاف معك، فهو اختلاف لا يسيل مياها تحت الجسور، ولا ينبت في القلوب كرها ولا إلّا، وما أجمل الاقتراب من عوالمك الخاصة.
سأقول لك: كم اشتقت للصباحات الجميلة معك في أم درمان والقاهرة ودبي. كم اشتقت لتلك المؤانسة الشيقة. كم اشتقت لضحكتك الحيية، وجمال روحك وإنسانيتك.
سأقول لك: نحن نحبك، أنا أحبك، لأنك جدير بذلك
سأقول لك: كل سنة وانت بألف ألف خير أيها (الإنسان) العظيم، وبالدارجة السودانية: الله لا يحرمنا منك.

بقلم
خالد عويس


‫7 تعليقات

  1. 80 سنه ولسه بصبغ فى شعرو ويلهث خلف السلطه !!!!
    غايتو الكيزان ديل كان عندهم فايده واحده تبقى تهميشهم وانتهاءهم لاسطورة مولاى الميرغنى وسيدى الصادق وخلوهم فى الرف وعقبال يتمو الباقى مع اولادهم الصوريين ديل.
    بلا يخمكم شعب جعان وانتو تمجدو فى نفسكم واولادكم بالحبيب والنسيب والامير على حساب اهلنا المساكين.

  2. والله قريت المقال دا حسيت انو عم الصادق المهدي زول طيب و كريم و صادق و كلو اخلاق .. لكن هو اي زول كويس لازم يبقى رئيسي .. ان شاء الله يبقى جاري ولا نمشي نحضر الماجستير سوا .. الله ما يحرمنا منو برا السياسه .

  3. الظاهر ابوك كان زيلا من ازيال حزب الامة ومن اتباع مولانا قلب نور حتى انه كان يتقاضى من الاموال التى نهبها المهدى وحزبه من الخزانة العامة وحرم منها الشعب الظاهر ابوك شبعكم منها على حسابنا ولذا انت تتمنى له طول العمر ليزيد البلاد هما وغما وفسادا وعميلا يلحق بنا الاذى اسال الله ان ياخذكما معا اخذ عزيز مقتدر ولا يترك على قيد الحياة احدا من نسليكما امين

  4. هذا من كلا م المنافقين وحملة البخور وهواة التقرب إلى المشهورين !! وهذا المقال لا يحمل أية فائدة لقارئه , فقط فيه دعاية لكتاب لا قيمة له فقد أرسله العويس هذا إلى35 مفكرا ( ….) ولم يرد عليه إلا اثنان منهم !! وطبعا هذا استفتاء على أن هذا(العوس) الذي سماه كتابا لم ينل اهتماما من حوالي 95% منهم لأنه عواسة نيئة , بدليل أن الذي اهتم به وهو حبيبه وسيده الصادق ملأ دفترا أو كراسة من الملاحظات !! هل تعني أنه قد ألفه لك ؟؟ أو أعاد صياغته !! لك الحق في أن تكيل له المدح , وهو لا يحتاج إليه , وكما قال المعلق هنا : شافوه وعرفوه , يبدو أن أباك كان ذيلا من أذيال الدائرة أو ذيلا من أتباع حزب الأمة , ,, وأخيرا سو عواستك النيئة دي على أناس مغفلين وليس على قراء النيلين !!!!

  5. خالد عويس نموزج سيء لمعارضة النظام في الخارج … لاحظت انه اثناء المظاهرات الفائته ينشر الاكاذيب من مقر اقامته في دبي … و هو معروف عنه معاداته الشديدة للسودان … و هو يظن بذلك انه يخدم الشعب السوداني … بل انه يضر الشعب السوداني بنشر الاكاذيب عوضاً عن معارضة النظام بالحجة الواضحة

  6. عويس و العواسة
    يبدو ان التشابه بين الرجلين هو العواسة الانتهازية والنفعية.شفاهم الله ان ظل في عمرهم بقية.

  7. الله يحرمنا منكم الاتنيين . اميييييييييييييييييييييييييييييييين .