رأي ومقالات

تردي الأمن والاقتصاد، إلى أين يقود البلاد؟


من خلال متابعتنا لما يجري في البلاد صرنا لا ندري أي قضية نتناول أولا. وربما يعجز القراء أنفسهم عن الإحاطة بسيل الأخبار السيئة المنهمر على مدار اليوم في وسائط الميديا الجديدة التي وحدها تنقل بعض الحقائق، وليس كلها.
ذلك في وقت يعاني الإعلام الخاص في الداخل قيودا منصوصة في الدستور، وفي التأويل النظري لمضامينه، وفي التفسيرات القانونية لمقتضى الارتداد عن مواده البراقة. وكذلك يواجه هذا النوع من الإعلام قيودا إزاء نشر الأخبار التي هي حقا أخبار، والمقالات التي هي حقا مقالات تناقش جذور القضايا. وعلى وجه الخصوص تعاني الصحافة الورقية من تراجع عام للاهتمام بها، فوقا عما هي عليه من ضعف مهني، ومواجهات يومية مع باهظ صناعة الصحافة. والتحدي الاكبر أمام هذه الصحف هو كيفية مقابلة إمساك رئيس البلاد بملف الإعلام، والذي يستبطن من لهجته التهديد، والوعيد. أما القنوات الفضائية الخاصة المملوكة للإخوان السودانيين فهي بطبيعة الحال أحرص على إخفاء الحقيقة لصالح مواصلة بثها. فقناة مثل “الشروق” أو “النيل الأزرق” أنشئتا لسببين. فالنيل الأزرق خلقت لإلهاء الناس بالغناء المجتر، والبرامج التي لا تغوص في لب القضايا، وإنما حواشيها. أما الشروق فقد قصد بها أن تكون خادمة لاستمرار حياة “المشروع الحضاري”. ولعل لدى استراتيجيي القناة من الإسلاميين الفاعلين من الذكاء الإعلامي الذي يشوش ولا ينور أثناء استعراض الأخبار، وإجراء المقابلات.
إن الأخبار التي تتسرب من داخل البلاد بالكاد تختصر لنا تعريف الظرف القاسي الذي يعاني منه الإسلاميون الممسكون بدفة المركب. فالأخبار التي تتناول غياب الأمن في ربوع الأقاليم، وداخل العاصمة، صارت مقلقة للنظام نفسه. ومن الوهلة الأولى نجد أن هذا الإخفاق نابع، مهنيا، من تآكل المؤسسات النظامية، وتخلي القضاء عن مسؤوليته منذ حين. والأكثر من ذلك يدل هذا الإخفاق على أن الأولويات الأساسية للنظام هي الحفاظ على أمن وسلامة عضويته، وكذلك تعليف هذا الجيش الجرار الذي يدعمه. وبالتالي تغدو معالجة هذه الأخبار بالتعليق الصحفي في حدود الأبعاد المهنية للقضية محل التناول أمر عقيم، إذن لا جدوى منه. ففي ظل فشل المشروع الإسلاموي البائن لا معنى للقول إن تحقيق السلام، والأمن، يتطلب إيقاف الحرب عبر التفاوض مع القوى الحاملة للسلاح، أو المحاكمات “القضائية الناجزة”، أو دعم القوات النظامية بأساطيل من الدفارات، أو التمني بتحويل ميزانية البلاد كلها للجيش حتى يحمي البلاد، كما قال الرئيس. والغريب أن بعض القوى السياسية، وكبار الكتاب المعارضين، ينادون بإجراء إصلاحات داخل الأجهزة الأمنية، وأحيانا يناشدونها بضرورة التدخل لحماية المناخ الجامعي! ولعل هؤلاء الساسة يدركون سلفا أن استثمار الطلاب الإسلامويين في العنف يتماشى مع استراتيجية الأمن في قمع كل صيحة.
إن الإطار الأكبر لمعالجة القضية الأمنية لا يتم عن طريق البيان السياسي الذي يناشد السلطة بإيقاف الحرب هكذا دون تصور آلية ناجزة داخلها. ولن يُحل التدهور الأمني عن طريق المقال الصحفي البارد، أو القاصر، أو المغرض الذي ينادي بمحاسبة الوزير، أو إحالة مدير عام الشرطة للتقاعد. فنحن نعلم أن أمري السلام، والأمن، في بلادنا متصل بطبيعة السلطة الاستبدادية التي أوصلت حياة رعاياها إلى هذا الوضع الحرج. فالحق أنها أس المشكلة. ولذلك لا يمكن عمليا معالجة هذا الموضوع إلا بتحقيق شروط الدولة التي يرضى عنها مواطنوها. طبعا الطريق لهذه الدولة المفترضة يمر بثلاث طرق. إما باعتراف الإخوة الإسلاميين بأن الفرصة أتت لكي يصدقوا مع الله هذه المرة إن لم يصدقوا مع الشعب. وبالتالي هذه يعني تخليهم الطوعي عن السلطة لأهل البلاد. والطريق الثاني هو الانتفاضة. أما الطريق الثالث فهو أن تتمكن القوى المسلحة العسكرية من الوصول إلى الخرطوم وتغيير النظام لصالح دولة المواطنة مثلما تنادي. ومع ذلك، فمن الغباء أن نتصور أن إخوان السلطة سيتنازلون طوعا، وبالتالي ستظل الحالة الأمنية في تردٍ إلى أن يقيض الله واحدا من ذينك الأمرين، أو أمر آخر يختاره. والرجاء هو ألا تراهن السلطة بأن الحوار الوطني الدائر سيكون وسيلة ناجعة للاستمرار في ظل تدهور الحالة الأمنية، والاقتصادية، وبقية التحديات التي تحيط بالبلاد.
إن أخبار الوضع الاقتصادي المتردي في ظل الفساد المستشري في مفاصل الدولة صارت أمرا عاديا. والعادي أكثر أن يعزو وزير المالية ارتفاع العملات الصعبة لظرف نفسي، وذلك بالنظر إلى العجز البنيوي في تثبيت وضع العملة الوطنية. ونتيجة لتدني قيمتها الشرائية يعاني الأهل في كل بقاع السودان من أسوأ حالة معيشية في تاريخهم. والأخبار التي ترد من الداخل تكشف عن حجم تأثير الفساد الإسلاموي في حياة الناس. فالدولة، وهذا معلوم، ظلت سبيلا للإسلاميين، إذ يتوظفون فيها كيفما شاءوا. ويتاجرون، ويستثمرون بلا شفافية، أو محاسبة، ويسيطرون على موارد الرزق، ويحرمونه على آخرين بدوافع شتى. وليتهم اكتفوا بذلك، وإنما قضوا على كل موارد الدولة المتمثلة في واردات النفط، والمشاريع الزراعية، وحتى القروض الربوية التي جلبوها أفسدوا فيها. واتضح أن السد لم يكن هو الرد البليغ، وإنما موئل للفساد، وفرصة لدفن النفايات الذي قُبٍض ثمنه. ولسنا في حاجة هنا للإكثار من الشواهد التي عمقت صعوبة الحالة المعيشية للمواطنين الذين تركوا الانتاج الصناعي، والزراعي، والحيواني. لقد تحولوا إما للهجرة أو “البحث عن بحث الذهب”، والمعسكرات، والحركات المسلحة، والبطالة، أو النفاق في دياجير السلطة.
في ظل هذا الوضع تحولت دولة الإسلاميين إلى أكبر مستثمر في الإعانات الخليجية حتى لو أدى ذلك إلى المتاجرة بالمواقف المبدئية، وتعريض حياة أبنائنا للخطر في حروب تتقاطع فيها الصراعات المذهبية، والإقليمية، والدولية. ولعل الرئيس “القوي، الأمين” في سبيل سلامته الشخصية مستعد دائما للتضحية بأرواح هؤلاء الآلاف من السودانيين المغلوبين على أمرهم. وقد تحول الرئيس، ووزير المالية، ومحافظ بنك السودان، إلى مبشرين بلا خجل بما ستضخه هذه الإعانات من موارد للخزينة العامة حتى تخفف المعاناة عن كاهل المواطنين المطحونين. وكلنا ندرك أن الدول لا تسير بالإعانات إنما بالإنتاج في المقام الأول، وتوظيف عقل خبرائها الاقتصاديين والزراعيين. ولكن أنى للإسلاميين الاستفادة من مجهودات غيرهم الذين أتوا أصلا لإحلالهم.
على المستوى المنظور ليس هناك علاج لملفي الأمن، والاقتصاد، وبقية الملفات الأخرى المتعلقة بحياة المواطنين. فالمأساة ستستمر متفاقمة إلى أن ينفجر الوضع عبر السيناريوهات التي أشار إليها عدد من خبراء علم السياسة. ولعل المعارضين، والقراء الكرام، يدركون كنه هذه السيناريوهات، ومستحقاتها، وما يترتب عليها. ولكن السؤال هو إلى متى يستمر تخاذل النخب غير المسيسة عمليا، والمؤثرة مهنيا، في دعم حراك شعبها للتحرر من النظام المستبد..هذا إذا تصورنا أن النخب المتورطة في السياسة عجزت عن القيام بدورها؟

صلاح شعيب
التغيير


تعليق واحد

  1. احترم عقولنا ياخ…لا ادري من يخاطب هؤلاء الكتاب…كلام خارم بارم…اكتب اي شئ والسلام