منوعات

“من بادية الطوارق” إبراهيم أحمد.. ممثل بالفطرة يحارب التطرُّف بالموسيقى


يبدو الممثل المالي إبراهيم أحمد، وهو يجلس على أريكة تحت شمس الصباح خارج منزله في العاصمة الإسبانية مدريد، وكأنه خارج المكان، وليس مستقراً فيه، الرجل تواق إلى التجوال، ربما يعود ذلك إلى جذوره حيث مضارب بادية الطوارق في صحراء الشمال الأفريقي المفتوحة على الفضاء الرحب، ولربما حالة عدم الاستقرار المكاني هي بعض من تداعيات الحرب الأهلية التي دفعته إلى هجر بلاده الحبيبة مالي، لكنها أيضاً ربما تعود إلى حالة الفنان النفسية التي لا تعرف الاستقرار، وهكذا يبدو إبراهيم أحمد رجلاً لا يعرف إلى أين يمكن للفن أن يأخذه في المستقبل، فيكتفي بالقول: “كل ما أستطيع قوله هو أنني هنا”.
قصة بينو
شاب طويل ووسيم يدعى أحمد أو (بينو) على اسم أشهر دور سينمائي قدمه في حياته، كان موسيقارا يجيد العزف على البيانو، ولكنه لم يمارس التمثيل في حياته، إلا من خلال دور بينو في فيلم تمبكتو الشهر للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيسيكو، ذلك الفيلم الذي رشح إلى جائزة الأوسكار في العام 2014، وجائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان، وحصد الكثير من الجوائز الدولية بما فيها جائزة شخصية كأفضل ممثل في مهرجان دوربان عن دوره في فيلم تمبكتو، حيث مثّل دور رهينة لدى الجماعات المتطرفة في شمال مالي، فأجاده وأبدعه، كونه عاش هذه الأجواء في الواقع قبل السينما، وكان أول عمل سينمائي يؤديه في حياته، ولم يسبق له أن تدرب على ذلك، يقول: “طلبوا مني أن أمثل كما أنا بطبيعتي وفطرتي”.
إنجاز بالفطرة
الإنجاز الذي حققه إبراهيم الممثل بالفطرة كان مذهلاً وفوق، ربما يعود ذلك لسبب آخر، وهو أنه من النادر جدا أن نجد ممثلا أفريقيا يقوم بدور أفريقي في السينما العالمية. وعن ذلك يقول ديارا ندوسبيتش مؤسس مهرجان السينما الأفريقية في المهجر (نيويورك)، وعضو لجنة التحكيم في مهرجان دوربان: “هناك ما بين خمسة أو ستة ممثلين فقط في العالم يؤدون دور الأفريقي، والسينما الأفريقية لم تعظم من شأن الممثل، فالقصص لا تكتب لممثلين أفارقة، وإنما لممثلين سود، والأدوار المحدودة تمنح دائما للممثلين السود من أمريكا وبريطانيا حتى باتت وجوههم مألوفة في عالم السينما”.
هذه الصورة بدأت تتغير مع بزوغ نجم الممثل إبراهيم آحمد وآخرين، ومع ازدهار صناعة السينما في أفريقيا، حيث قدر معهد الدبلوماسية الثقافية، وهو منظمة غير حكومية، مؤخرا النمو السنوي لسوق السينما في بعض البلدان بنسبة 5% من الدخل القومي، فهناك (نولي وود) أكبر صناعة للسينما في نيجيريا التي أصبحت تركز على الإنتاج المحلي منخفض الكلفة، وأصبحت ثاني أكبر سوق للعمالة بعد قطاع الزراعة.
نجم أفريقي صاعد
يرى ميغيل ماكالسكي كاتب السيناريو والخبير في أفلام الدول النامية أن إبراهيم أحمد نجم أفريقي قادم إلى السينما العالمية، وأن فيلم تمبكتو خطوة في طريق تطوير إمكانيات هذا الممثل، مضيفا أن الفيلم نجمه الأول هو المخرج عبد الرحمن سيسيكو وليس الطاقم العامل فيه، ففي فيلم تمبكتو الذي يحكي معاناة سكان مالي من التطرف يجسد إبراهيم أحمد دور (بينو) رجل من بادية الطوارق قتل شخص بالخطأ رميا بالرصاص أثناء محاولته سرقة الماشية، وتم قبضه بواسطة الجماعات المتطرفة التي حمكت عليه بالإعدام، ولكن قال لهم إذا كنتم تحكمون بالعدل عليكم محاسبة أنفسكم على الجرائم التي ارتكبتموها بحق الناس.
بين الحداثة والتقليد
إبراهيم أحمد حياته في الواقع لا تنفصل عن شخصيته في فيلم تمبكتو، فهو ولد في غاو شمال مالي لعائلة من الطوارق البدو المنتشرين في الصحراء وحمل السلاح شأن جميع رجال قبيلة الطوارق، ولكنه لم يستخدمه. ويصف نفسه بأنه متمرد لا يطلق الرصاص، وإنما يحارب بالكلمات وبالموسيقى، فهو يشكل مع عدد من الموسيقيين الماليين فرقاً غنائية ضد التطرف والحرب في مالي، ويشاركون في فيلم وثائقي بعنوان: “إنهم يحاولون قتلنا أولا.. الموسيقى المالية في المنفى”. هاجر إبراهيم إلى الجزائر ومنها إلى فرنسا وشارك في الكثير من الفرق الموسيقية، والآن هو في الثلاثين من عمره ليستقر في ضاحية بوش بالعاصمة الإسبانية مدريد مع زوجته وابنه وبنته، ولكن يسافر عبر العالم للترويج لموسيقاه التي يمزج فيها بين الموسيقى العالمية وموسيقى الطوارق التقليدية، ويشعر أنه خارج المكان هنا، فهو لا يتحدث الإسبانية ويحتفظ بالضفائر الأفريقية ولحية الطوارق التي تكسب شخصيته ومظهره الأسلوب الخاص به.

اليوم التالي