عبد الباقي الظافر

العريس جنوبي..!!


قاعة الأحلام مساء الثلاثاء الماضية كانت تشهد حدثاً استثنائياً..ست عربات مرسيدس فخمة تقتحم القاعة في موكب مترف يحمل العريسين.. ندى القلعة على غير عادتها جاءت في زي أفريقي رائع.. لكن ما شد الناس أكثر أن الزيجة المباركة كانت خليطاً.. إبراهيم أكول شاب وسيم من أبناء جنوب السودان تعلق قلبه بمي الحكيم حسناء سودانية من قلب الخرطوم .. قصة الحب انتهت بزواج أسطوري ستتحدث عنه المدينة مطولاً.
اهتمام الناس بالحدث عبرت عنه وسائل التواصل الاجتماعي التي بدأت كأصدق جهاز لتحسس اتجاهات الرأي العام السوداني .. لم يكن اهتمام الناس بهذه الزيجة من ناحية الروعة في الإخراج ولا التكاليف الباهظة ولا الكرم الفياض.. مصدر الاستغراب أن العريس الشاب كان من مواطني جنوب السودان.. هنا تكمن الأزمة ويصبح الدخول إلى عالم المسكوت عنه فرض عين على كل مواطن صالح.
تمزق السودان وهرب خمس سكانه تحت وطأة الإحساس بهذا التهميش الاجتماعي الناتج عن استعلاء زائف.. مئات من القصص الحزينة تروى عن شباب اصطدمت أحلامهم في الزواج بفوارق قبلية .. الاشتهاء العاطفي موجود والأجيال الجديدة لا تؤمن بال (تابو) القديم.. ولكن لان تكوين أسرة في الحلال يتم عبر القنوات التقليدية تضيع أحلام الشباب أو تبحث عن منافذ أخرى غير شرعية.
الحقيقة في السابق كانت الزيجات التي تجمع قبائل وشعوباً نادرة.. في قريتي عند منحنى النيل كان من يتجرأ ويقدم على خطوة الزواج من قرية أخرى يعتبر في حسابات الأهل متزوجاً من واحدة (غريبة).. ومن الصعب جداً أن تتزوج إحدى بناتنا في القرية من خارج المنطقة رغم أزمة العنوسة المستحكمة.. لكن تطوّر المواصلات وتنوع وسائل كسب العيش جعل المعادلة القديمة تتصدع .. عدد من رموز منطقتنا سافروا من أدنى النهر إلى منابعه فتزوجوا من بنات الزاندي والدينكا وقدموا نماذج طيبة في التعايش الاجتماعي لم تجد حظها من الانتشار.. مثال أهل قريتي يؤكد أن تطور وسائل المواصلات يؤدي إلى إعادة بناء المجتمعات .
في تقديري أن واحداً من أهم التحديات الاجتماعية التي تواجهنا ستكون في كيفية تطوير وتحديث المجتمعات التقليدية.. كل الكوارث والمحن سببها الانغلاق في مجتمعات بدوية تنظر إلى الآخر بعين الريبة التي تتحول إلى كراهية مع أول اختبار .. من هنا يجب الإسراع في ربط السودان بشبكة مواصلات واتصالات ..الاختلاط بين الناس يولد التفاهم ويجلب المحبة ومن ثم التصاهر.
الثورة المهدية كانت أول مشروع وطني حاول دمج السودانيين.. خلفاء وقادة المهدية بدأوا الترابط بعدد من الزيجات العابرة للاختلافات ..كان مثلهم في ذلك منهاج النبوة الذي بلغ فيه التآخي أن يقتسم أهل المدينة الزيجات مع ضيوفهم من الأنصار وذلك على سنة الله ورسوله.. مشروع الإنقاذ لم تحدث فيه مثل هذه الاختراقات.. فقد تقاسم الإخوان السلطة ولكن لم تربط بين قلوبهم زيجات عابرة للتكوينات القبلية إلا في ما ندر والنادر لا يعتد به.. في الحركة الشعبية تظل تجربة ياسر عرمان ومصاهرته لبيت السلطان دينق مجوك حدثاً بارزاً.
بصراحة.. يستحق إبراهيم أكول ومي الحكيم التكريم بقدرتهم الفائقة في صنع نموذج لصمود الحب.. أنا أرشح مي وإبراهيم نجمين للعام ٢٠١٥ من يثني؟


‫2 تعليقات

  1. للاسف بعض المتفاعلين كعادتنا نحن السودانيين ركزو على السلبيات و انتقدو البذخ و الصرف .. و ده كان من اسباب انتشار الخبر و اذا لم يكن الزواج بهذه الصورة لم يكن ليشد انتباه رواد مواقع التواصل و لكان مر كما مرت اللاف الزيجات بين جنوبيين و شماليين في نفس الوقت الذي صدعنا به سياسيو الحركة الشعبية و على رأسهم باقان بأن هناك عنصرية و مواطنة من الدرجة التانيه و فصل دوله لاسباب شخصية و ما اتهنى بيها زي استاذو قرنق

  2. للاسف الشديد ما يؤكد كل الافتراضات بوجود عنصرية واضحة هو تكلفة هذا الزواج هذا المسكين المتيم تم استغلاله ماديا بصورة مؤسفة جدا وغداً تسمع حدوث طلاق لاتفه الاسباب ويسمي عندها كان مغفل نافع