جمال علي حسن

ثورة اللعن والسباب


إذا كان الغضب يمثل وقوداً لدفع عربة الثورة المفترضة في ذهن حاملي شعارات الثورة في السودان أو أي مكان، فإن الوعي الثوري هو السائق المؤهل وقائد تلك العربة لبلوغ المحطة المقصودة، فالوعي الثوري يستطيع أن يتحكم في سرعة اندفاع هذه العربة ويتحكم في اختيار الطريق الأنسب الذي يضمن سلامة الوصول ويتجنب تجاوز الإشارات الوطنية الحمراء.
الوعي هذا هو الذي يجنب الثوريين أو الحالمين بالثورة – ومن حقهم أن يحلموا بها ويعملوا لها – هذا حقهم لكن الوعي هو الذي يجنبهم السقوط في مطبات التناقض الأخلاقي بين الأهداف السامية لهذه الرحلة وبين أسلوب القيادة في الطريق لبلوغ تلك الأهداف..
الثورة يا سادتي ليست مجرد حالة سخط أو غضب أو ضيق عام.. صحيح أن هذه هي شروط معتمدة نظرياً لتوليد طاقة الانفعال الثوري لكن غياب ذلك القائد الذي تحدثنا عنه وهو الوعي الثوري الوطني يجعل هذا الانفعال منزوع العقل وخاليا من القدرة على الإدراك لسلوكياته، فمثلما يمكن أن يفضي في نهاية المطاف إلى نوع من أنواع الثورة فهو وبنفس درجة الاحتمالات يمكن أن ينتج فوضى ويمكن أن ينتج جرائم وقتلا للأبرياء وتخريبا للبلد..
عشرات الكتب والمؤلفات ومئات المقالات والبحوث كتبها الكتاب والمفكرون العرب والغربيون بعد ثورات الربيع العربي وما أفضت إليه من كوارث إنسانية لم يشهد لها تاريخ العرب الحديث مثيلاً لتعقب تلك الثورات عملية عصف فكري واسع جداً حول نقد مفهوم الثورة على ضوء الراهن العربي.. وكيف هي الثورة الحقيقية.. وما هي الثورة المطلوبة التي تناسب مجتمعاتنا وتحقق رغبات شعوبها.. هل مجتمعاتنا العربية تطمح إلى الوصول لنفس نماذج الديمقراطيات الحديثة وتطبيقها.. أم أن أسباب ثورات هذه المجتمعات العربية وأهدافها ورغباتها تختلف.
هذه النوعية من الأسئلة وهذا المنهج السائد الآن في المنطقة من المراجعات والتقييم لتجارب ثورات 2011 لا نرى له تأثيراً أو انعكاساً على طريقة تفكير الكيانات السياسية المعارضة في السودان التي تظن حتى الآن أن عليها فقط أن تنجز ما فاتها وتلحق بقطار الربيع العربي بعد أن انتهت رحلته ومضت مرحلته و( زمانها فات وغنايها مات )..
في ظني أن من حسن حظ السودان أن انتهت ومضت تلك المرحلة دون أن تمر ببلادنا، وعلينا فقط أن نتعلم منها ومن نتائجها كيف نقود عربة الثورة في السودان، التي تعني التغيير والتصحيح والتطوير والبناء، كيف نقودها بطريق آخر غير الطريق المزروع بالألغام الذي مضت إليه – أمام أعيننا – سوريا وليبيا واليمن وحتى مصر نفسها..
نقول إن تلك الأسئلة والمراجعات لم تتم في كيانات المعارضة السودانية ولم يستفيدوا من درس متوافر مجاناً في متناول اليد بشواهده وشهوده وفواجعه الإنسانية.. لم يفكروا في الاستفادة من هذا الدرس لأن هناك نزوة وتحديا نفسيا يعيشونه هو تحقيق ثورة في السودان الآن (وتجي زي ما تجي).. لا يهم ذلك كثيراً ولا تهم نتائجها..
أشعر بتعاطف وإشفاق كبير على من يحترفون السخط ويقدمون في منابر الإسفير أسوأ صور وأشكال الثورة المعتمدة على السب واللعن والإحباط.. وبالمناسبة فإن حالة احتراف السخط والإحباط تلك لا تؤهل صاحبها لتحقيق حتى أضعف تلك النماذج المنقوصة من الثورات التي أشرنا إليها.. لأن الإحباط والتثبيط لا يصنع ثواراً بل يصنع مهومين وموهومين.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين