تحقيقات وتقارير

اتفاق نافع عقار .. هل يصلح ليكون قاعدة لاتفـاق جديد؟


بات الموقف الحكومي يتراجع عما كان عليه في السابق تجاه إمكانية الوصول لاتفاق مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، في وقت خرجت فيه تصريحات من قيادات نافذة في الحكومة تؤكد استحالة ذلك، وعقب التسريبات الأخيرة لمحتوى اتفاق إطاري بين الحكومة والقطاع تنبئ عن قرب توصل الطرفين لاتفاق قريباً يطوي كل أشكال الأزمة بينهما، وقد أشارت الأخبار عن أن طرف الحكومة أكد أن تلك المفاوضات كانت غير رسمية، غير أنها مهدت للجلسة القادمة في عمق الحوار الثنائي الذي تبخر لأكثر من اثنتي عشرة جلسة ولم تخرج بأية خروقات إيجابية. فيما بدأ الكل ينظر بأمل في أن تطوى هذه الصفحة للأبد بعد أن سرت تلك التعزيزات الخبرية لهذا التقدم، صحبته بعض التسريبات عبر وسائط الاتصال المختلفة ونسبت للقيادي بالقطاع الأستاذ ياسر سعيد عرمان. وأعادت عملية التفاوض للأذهان الاتفاق الإطاري الذي تم التوصل إليه في أديس في جلسة رسمية بين الحكومة وقطاع الشمال برئاسة كل من د.نافع طرف الحكومة، ومالك عقار طرف قطاع الشمال، في منتصف العام 2011م. وقد توصل الطرفان لاتفاق إطارى لو نُفِّذ بحسب متابعين ومحللين، لجنَّب البلاد كل هذه التعقيدات، واختصر مسافة طويلة من عمق الحوار الذي توصل لاثنتي عشرة جلسة. وقد تم توقيعه في 28 يونيو من العام 2011 برعاية الاتحاد الافريقي، وهو ما اطلق عليه وقتها اتفاق (نافع/ عقار) ، الذي وجد هجوماً شديداً وسط الشارع العام، مما عجل بقرار من السيد رئيس الجمهورية عمر البشير قضى بإلغائه. وقد سادت الأجواء وقتها مواقف ضبابية تبدو غير واضحة بشأن التحاور مع قطاع الشمال، وقد خرج البرلمان على لسان رئيس لجنة التشريع والعدل بتصريح، كاشفاً فيه عن جملة من القرارات وإجراءت قانونية وملاحقة من وزارة العدل (النائب العام) والاستخبارات العسكرية في مواجهة قيادات قطاع الشمال عقب إجهاض الاتفاق المبدئي بينهما. وبعد أن طفا إلى سطح الأحداث الاتفاق المبدئي بين الطرفين (الحكومة وقطاع الشمال) في جلسة غير رسمية الأيام الماضية، وإعلان إمكانية توصلهما لاتفاق نهائي عقب أول جلسة رئيسة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الايام القادمة، فيما أشارت تقارير كثيرة من أن الاتفاق الجديد جعل من أجندة اتفاق نافع/ عقار منطلقاً للقضايا المختلفة، جعلنا نتطرق عبر هذا التقرير لإمكانية أن يصلح ذلك الاتفاق ليكون قاعدة ومنصة جديدة لاتفاق جديد قادم.
لا غبار عليه
اللواء أمن (م) محمد مركزو كوكو وبوصفه خبيراً أمنياً وعسكرياً قال لـ«الإنتباهة»، إن اتفاق نافع/ عقار هو عبارة عن أجندة قابلة للحوار بيد أنه لم يصل لمرحلة أن يسمى اتفاقاً لأنه أجهض قبل أن يتم التوقيع عليه من الجانبين وفقاً للمجريات المعروفة في أروقة الحكومة وقتها. وأشار إلى أن الاتفاق لم يتعرض لتفاصيل، بمعنى أن يشار فيه إلى كل شأن وما توصل إليه الطرفان الاجتماعي والسياسي والعسكري ليس على الحصر، وإنما المثال، ولكن الطارئ الذي حصل وقتها حال من أن يصل الناس حوله لاتفاق حول موضوعاته الكثيرة والمختلفة وأكد مركزو أن اتفاق مالك عقار/ ونافع كأجندة لا غبار عليه – بحسب رأيه- ولكن عدم التوقيع حرم الناس من فرصة وسانحة كان يمكن أن توصل الأطراف المتصارعة إلى نقطة قد تنقلهما لاتفاق قادم، وهذا ما سيحدث الآن.
الاتفاق صالح
أما الخبير العسكري المعروف اللواء معاش إبراهيم نايل إيدام، فقد تحدث لـ«الإنتباهة» بكل أمانة – بحسب قوله- من أن اتفاق نافع/ عقار أرضى كل القاعدة الجماهيرية وليس جزءاً من المواطنين (المتضررين من الحرب بالمنطقتين)، بيد أنه قال إن الذين لا يريدون السلام في الخرطوم ومناطق أخرى، هم من عمل على إجهاض ذلك الاتفاق ووصف تلك الفئة بأن لديها النظرة الاستعلائية الضيقة وقد تناسوا أن تلك المناطق هي أصل السودان وبالمزاوجة والانصهار أصبح السودان بحدوده المعروفة، مشيراً إلى أن العمل على إسكات صوت البندقية كان يجب العمل له من زمن بعيد وإنه قد تأخر المسعى ولكن «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي». وأكد إيدام أن الخطوة صحيحة أن الاتفاق الإطاري القديم يصلح ليكون منصة وقاعدة للاتفاق الجديد، وإنه يجب المضي عليه للقضاء على ما يسمى بالحرب في السودان، بيد أن الرجل قال إنهم إلى الآن “ماسكين أنفسهم” ولعل ما يقصده إيدام هو امتناعهم من الخوض في تلك الخلافات، مشيراً إنه في حالة الاستمرار في تلك الخلافات بشأن الحوار فإن الأبواب أمامهم كأبناء منطقة، مشرعة حتى الوصول للأمم المتحدة. وختم حديثه بأن السلام الآن بدأت أجنحته ترفرف في كل مناطق السودان، (دارفور، والشرق) وإنه آن الأوان لترفرف في المنطقتين وعلى الرافضين أن يدقوا طبول السلام بدلاً عن الحرب. وأكد أن المعطيات العامة والجو العام يختلف عن كل المحادثات السابقة، وقال يمكن أن يكون للصراع الجنوبي ودارفور الأثر في ذلك ولكن قرار مجلس الأمن السابق بجعل المنبر لقضايا المنطقتين فقط، كان له أثراً آخر إذ تجاوزته الحركة الشعبية «قطاع الشمال»، هذه المرة بعد أن كانت تقف عنده كثيراً وتقوي به موقفها وقد حملت قضايا السودان كلها وأتت بها لهذا المنبر!! وقال ولكي لا تنهار المفاوضات، نقولها صراحة بأنه يجب الرجوع للبرتوكولات والاتفاقات السابقة الخاصة بالمنطقتين لحل القضايا الخاصة بإنسانها، فهو مازال يعاني، وأضاف إذا ما تنازل الطرفان وجلسا لمناقشة قضايا المنطقتين وفقاً لاتفاق نافع/ عقار وترك المسائل القومية للمنبر الذي دعا له الرئيس فإن القضية ستصل لنهاياتها بكل تأكيد.
تفاؤل ولكن …
أما بروفيسور الطيب زين العابدين، فيقول إن الخلاف كبير بين الطرفين الحركة الشعبية قطاع الشمال والحكومة في حديث له، وقال إن الحركة الشعبية مازالت تعتمد على الاتفق الإطاري الذي وقعه نافع/ عقار في 28 يوليو 2011م الذي يتحدث عن حوار وطني عام وقضايا قومية كما تحدث عن لجنة مشتركة بين الوطني والحركة لمناقشة هذه القضايا، وهذا القرار كان متفق حوله وكان يمكن أن يعمل على التسوية في المنطقتين ولكن المؤتمر الوطني واعتباره أن الاتفاق ملغي وفقاً لإعلان من الرئيس وقتها أدى إلى تصعيب الأوضاع. وأصبحت الحركة متمسكة بقرار الأمن الذي ينص على العمل الإنساني ووفد الحكومة يرفض الاتفاق الاطاري وقال نقبل المساعدات الإنسانية وفقاً للاتفاق الثلاثي (الجامعة العربية والامم المتحدة والاتحاد الإفريقي)، وبالتالي رفض الحديث عن القضايا القومية ويجب إحالتها للمنبر الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية، وأصبح الإشكال في وجود صيغة توفيقية بين النقيضين! بيد أن الأمر أصبح واضحاً الآن ومن شأن الطرفين أن ينطلقا من تلك القاعدة القديمة بينهما وهي اتفاق (نافع/ عقار) وجعله منصة لاتفاق قادم عقب هذا التقدم الكبير والخروقات في جدار الأزمة بين الطرفين. وقال إن التنازل كان يمكن منذ تلك اللحظات وأن يحدث الآن فمن شأنه إنقاذ الموقف التفاوضي. وقال زين العابدين إن دور الوساطة يأتي في هذه المرحلة بأن يقدم على تقريب الشقة بين الطرفين في المفاوضات حتى تتحقق النجاحات المطلوبة للجانبين. مضيفاً أنه يجب الاعتراف بالحركة كتنظيم سياسي مثل الآخرون من القوى السياسية وعملية نزع السلاح المتعلقة بالترتيبات الأمنية تأتي لاحقاً، وترك تفاصيل القضايا القومية للمنبر الذي دعا له الرئيس البشير بهذه الخطوة يمكن أن نخرج المفاوضات من دائرة الفشل المحدقة بها.
فرص النجاح
ويرى الخبير الأمني الأمين الحسن أن من يريد أن يحقق سلاماً لابد عليه من الجلوس لطاولة التفاوض خاصة وأن الاتحاد الإفريقي هو من يرعى هذه الجولات، بيد إنه قال عن المنبر القادم إنه إذا ما كانت هناك جدية فإن النتائج بلا شك ستكون إيجابية، وذلك لأن من يحمل السلاح في هذه المناطق هم أبناء المنطقتين وأن الذين معهم من خارجها قلة لا يستطيعون أن يحملوهم لأجندات لم يكونوا مقتنعين بها، وقال إن إبداء الحاملين للسلاح من أبناء المنطقتين الرغبة في الجلوس للتفاوض مع الحكومة يؤكد أنهم (رضخوا للسلم)، مبدياً أمله في أن تحل القضية بالنسبة لتلك المناطق جملة وألا تجزأ حتى لا يكون الحصاد في الآخر الفشل والتعقيد الذي من شأنه الوصول إلى حلقة مغلقة. هذا ومازالت الأجواء محملة بأشواق كثيرة ترى بأعين مختلفة للحوار الجاري فهل سيجد اتفاق (نافع/ عقار) التأييد بعد أن لفظته الحكومة في وقت سابق؟ هذا ما سيجيب عليه منبر أديس القادم.

تقرير:
عبد الله عبد الرحيم
الانتباهة