رأي ومقالات

حكومـة الحوار الوطـنـي .. قومية أم انتقالية؟


يظل الحوار الوطني العنوان الأبرز في المشهد السياسي، وتندرج تحته جملة من العناوين تحمل ذات المفردة التي تتنوع ما بين حوار الحكومة مع الحركات المسلحة وما بين حوار وطني شامل يتعلق ببقية الأحزاب والفصائل المعارضة للوصول الى صيغة توافقية للاستقرار الوطني.
عود على بدء، فإن المشهد السياسي ساده بعد الاستقلال عدة تيارات حزبية منها الطائفية المدعومة من الجماعات الدينية السائدة في السودان، وبالتحديد حزب الأمة ومن خلفه الأنصار والحزب الوطني الاتحادي ومن خلفه الطريقة الختمية. فاختلطت القيادة الدينية للجماعة بالحزب السياسي بصورة كبيرة وقد دعا كل من الحزبين للحكم المدني الديمقراطي طيلة تاريخهما في السياسة السودانية، ثم أتى الإخوان المسلمون الذين مثلوا القوة الحزبية الثالثة بعد الأمة والاتحادي، انفردوا بحكم السودان بعد انقلاب 1989م وواجهوا العديد من الانقسامات كغيرهم من الأحزاب، فتغير اسم التنظيم حتى صار حزبي المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، أيضاً ظهر اليساريون والناصريون والبعثيون والمستقلين والليبراليين والجمهوريين والقوى السياسية الإقليمية المختلفة. هذه المعطيات حدت بالخبير في علم النفس السياسي د.نصر الدين الدومة الى القول بأن المجتمع في السابق كان قليل وغير معقد فمهد لمفهوم السكوت عن الكثير من الأشياء، وكان أصحاب الفعل السياسي تخرج من بيوتات محددة مما يسهل نقاش القضايا الوطنية، إلا إنهم سكتوا عنها ثم أتى الاستقلال وأيضاً صمتوا فاستفحلت الأزمة الى الآن. وبمرور الزمن تكون العقل الجمعي الضعيف جداً نحو مواجهة صعاب الوطن ومشاكله، مما أدى لدخول العسكر للحياة السياسية لأنهم أكثر انضباطاً وتراتيبية.
واستدرك الدومة بالقول إن ما يدور في الحوار الوطني الذي أخذ وقتاً طويلاً، يوضح أن الهم ليس في شكل الحكومة المرتقبة سواء أكانت انتقالية أم قومية؛ بل الهم في خروج المخرجات التي تحمل القبول والرضا عنها، وهو المحك الحقيقي لما يدور الآن. ولا أعتقد – والحديث للدومة – أن مناقشة شكل الحكومة القادمة هو الهدف الرئيس لأنها تعتبر من الآليات، ولذلك لا يمكن الحديث عن الآليات دون الاتفاق على الموضوعات والإجماع عليها، رغماً عن إنها إحدى الأزمات التي يعاني منها السودان، وهي قضية نفسية بحتة. وأضاف إن السودان غير محظوظ وعليه حمل كبير يتمثل في أبنائه الذين يربطون الرضا عن المشروع الوطني بالشخصنة (يا فيها يا أطفيها)، مما أدى لان يصبح مفهوم الوطنية عائم والتصنيف أصبح عادياً. وببساطة شديدة، لا يمكننا أن نأتي بأشخاص من الخارج لحل قضايانا وإن أتينا بمحترفين سيصلون للحلول، ولكن الوطنيين يعيقون عملية الوفاق والسلام. وختم الدومة حديث لـ«الإنتباهة» بأن الشعب السوداني بحاجة لانضباط سياسي بعد أن حدثت «فرملة» للأنصار والختمية، التي تعني أن أي تطور سياسي مهما وصل لا يتجاوز الطائفية، وهو ما خلق الأزمة السياسية بالأحزاب ولم تجعلها تتقدم للأمام رغماً عن أن السودان له الريادة في العمل السياسي إفريقياً وعربياً.
من جانبه أوضح وزير الخارجية الأسبق بروفيسور حسين أبو صالح أن التجربة السياسية السودانية لم تجد الاستقرار منذ «60» عاماً او الإجماع للقوى السياسية كما يحدث الآن على طاولة الحوار الوطني. وقال إنه لابد من جمع الشمل أولاً ثم النظر لكيفية أن تكون المظلة التي تحويهم بكافة ألوانهم وأفكارهم السياسية.
لا يشكك أحد في أن الحوار فرصة للسودان لصياغة عقد اجتماعي جديد تشترك فيه القوى السياسية كافة.. هكذا ابتدر الحديث المحلل السياسي د.آدم محمد أحمد مضيفاً أن الحوار إن كان يحمل مضامين خفية لأجل لم شمل الوطني والشعبي، فإنه من المتوقع أن يفضي الى تكوين حكومة انتقالية، أما إن لم يكن يحمل هذه المضامين، فهو عبارة عن لقاءات وجلسات لا غير.
إذن.. لابد من وضع خطة إسعافية وبرنامج واضح لفترة ما بعد الحوار الوطني، تشمل الاقتصاد ومعالجات سريعة للأزمات والحروب الإقليمية وإقامة دستور قومي يرتكز على المواطنة والنهج الديمقراطي وحقوق الإنسان، تحت مظلة حكومة انتقالية راسخة.

الانتباهة


تعليق واحد