الطاهر ساتي

العلاج بالصدمة ..!!


:: قبل خمس سنوات، تنكر الصحفي الغاني أنس أرمايو وقصد بعض مكاتب الجمارك ومنافذها لتأكيد فساد بعض المنسوبين أو لنفي فسادهم.. وبالرصد الخفي، نجح أنس في توثيق فسادهم في أكبر موانئ غانا (ميناء تيبا)، ونشر المقاطع التي أثارت الرأي العام..لم يعتقلوا أنس و لم يحجبوا المقاطع عن الرأي العام، وكذلك لم يتستروا على الفساد بالنفي ولا على المفسدين بالتحلل..فمن دعم أنس في ثورته الإصلاحية تلك هو الرئيس الغاني الراحل جون أناملز (شخصياً)، وذلك بزيارة موقع الحدث للمحاسبة والتوبيخ والتحذير..والى يومنا هذا، تتناقل الهواتف غضب الرئيس..!!
:: والحديث ليس عن رد فعل الرئيس، ولكن عن (فعل أنس).. فالإستقصاء- بالرصد الخفي للحقائق – من أميز وأجمل فنون الصحافة.. وكل ما إرتفعت نسبة المخاطر والمتاعب في الجهد الإستقصائي الذي يبذله الصحفي إرتفعت (قيمة العطاء).. وعلى سبيل المثال، يوم السبت الفائت، قدمت محررتنا الناشئة والمجتهدة وسام بابكر للقراء (مادة دسمة)، وذات طابع إستقصائي.. تجذرت وسام بفكرتها وحاستها الصحفية في عمق الحدث بتنكرها ورصدها الخفي لما يحدث حولها..!!
:: فالفكرة بسيطة ولكنها ذات ( معنى)..تقمصت وسام شخصية نادلة بأحد المطاعم الشعبية بالخرطوم بحري، لترصد رد فعل المجتمع ومدى إستيعابه لفكرة عمل الفتاة في مهنة نادلة بمطعم شعبي..وللأسف، حسب الإحصاء، لم تأت نتائج الرصد بما تشتهي (سفن الوعي) .. نادل بالمطعم، ولم يكن على علم بمهام وسام، لم يتعاون معها و لم يرحب بها وظل غاضباً طوال ساعات عملها، ثم فرح وودعها بإبتسامة عندما أكملت مهمتها بنجاح وغادرت المطعم، أي لم يقبل – النادل – فكرة أن تكون بالمطعم الشعبي ( زميلة)..!!
:: ثم الأدهى والأمر، حلقات التحرش وسفاهة السفهاء..(عربيتي واقفة بره، ح أنتظرك لمن تخلصي، والدايراهو بديكي ليهو)، شاب في مقتبل العمر يشل تفكيرها بهذا الإغراء لتغادر إلى عم فريد حيث (طوق النجاة)..وهرم في العقد الخامس من عمره – لا يزال مراهقاً – يمسك بيدها خلسة ويضع فيها مبلغاً من المال، ثم يهمس لتغادر الطاولة بالخطى السريعة.. وآخر يسألها عن ظروفها التي تجبرها على مهنة نادلة، ويستمع ثم يساومها بلا حياء بالمال مقابل ( حاجة بسيطة)، أوهكذا يرى حجم الفاحشة.. و.. و..أخيراً، لم تجد وسام غير ناصح : (إنتي ما شاء الله عليكي بنت جميلة وظاهرة انك بت ناس وطالعة من بيت كويس، لو فتشتي عن شغل تاني بيكون أحسن)..!!
:: فالتجربة المحفوفة بنظرات الذئاب وإغراءات السفهاء- رغم أنها محدودة وغير قابلة للتعميم – تعكس بعض أمراض المجتمع و فساده، وكذلك تحقير بعض أفراده للفتاة والمرأة التي تمتهن مهنة (النادلة)..وإن كانت تجربة ساعات قضتها وسام بمطعم عم فريد الشعبي كشفت كل هذا القبح، فماذا عن تجارب السنوات التي يقضينها ألاف الحرائر من بنات ونساء بلادنا في هذه المهنة وبيع الشاي في الطرقات والأسواق؟.. قبل السلطة وقانونها، فالصالح من المجتمع هو المسؤول عن حمياتهن من (الطالح).. فأجتهدوا في حمايتهن ليخرج المجتمع من هذا القاع ويرتقي .. وشكراً وسام وعم فريد على هذه (الجرأة الصادمة)..!!