حسين خوجلي

هدايا ووصايا جهرية لأهل النجوى


< عندما أدخل أم درمان يواجهني بيت الزعيم مباشرة، فأفرح، إلا بالأمس فقد واجهني فصدمني فقد خلا الحوش الوطني من الزعيم وابن الزعيم العريس، فصمت طويلاً حتى أطل عبقري البوادي ببرقيته المؤاسية، فردت لي بعض الرضاء والاطمئنان المشوب بالحزن الذي لا ينقصني ورددت معه: علي حوشك حرام المرقة لي قدام أصبح منظر بيوتك مشنقة إعدام حوض تبري الخضار الشالك الهدام حزني عليك يطول حد العمر مادام < ومن المشابهة اللطيفة أن رثاء عكير لحاج محمد «الناظر» أصبح رثاءً لكثير من الاسر السودانية تتملاه فتتسلى: رحل نور ظلام الكبسة دخري الحوبة يوم دقوا النحاس مرقوا الهدوم رد حوبا ناس الدنيا سفرتو نار جمر صاحوبا وناس الآخرة وصلتو هللوا وفرحوبا < قال لي أحد الأصدقاء لماذا أراك يا أخي تشكك في كل نوايا اميركية أو حلول أو حتى وساطة عربياً وسودانياً. قلت له إن وساطة الادارة الاميركية في اصلاح الأمور بين الناس والدول والمليشيات والحركات التمردة، تذكرني حكاية الأعشى حين اختلف مع زوجته وداخلتهم مغاضبات ووحشة، فاختار أحد أصحابه ليرضيها أو هكذا اقترح له، فقدم الصاحب بين يدي الزوجة ورقة المرافعة الآتية: أجلس الزوجة الغاضبة وجلس قبالتها والأعشى «أبا محمد» غير بعيد، وقال لها إن أبا محمد شيخ كبير فلا يزهدنك فيه: عمش عينيه ورقة ساقيه وضعف ركبتيه ونتن إبطيه وبخر فيه «فمه» وجمود كفيه «ناشفة» فغضب الأعشى وصاح: قم قبحك الله، لقد أريتها والله من عيوبي ما لم تكن تعرفه!! فهل عرفتم الآن لماذا يتقاتل الفرقاء في العراق وأفغانستان وينقسمون في أبوجا. < ومن لطائف النقد الاجتماعي السوداني أن رجلاً دائم المشاكسة مع زوجته ليل نهار مع بعض الملاطفة والسخرية اللاذعة، وفي بعض أيام الخصام انتقلت الى رحمة مولاها.. فتمت كل الاجراءات من غسيل وحنوط وتكفين وتربيط.. ولأن المنزل في حي شعبي فقد تأبي الباب الحديدي الضيق من إخراج «الجنازة» فرفعت فوقه ليتناولها نفر خارج الدار.. وأثناء رفعها أصابها «مس» من التيار الكهربائي من السلك الذي يغذي البيت الصغير.. فاذا بالكهرباء تحركها فتصيح صارخة من «الكتمة» فيسمعها الناس فيعيدونها للدار مهللين مكبرين ناثرين بعض الأقوال الصوفية والتسليمية مثل التي تقال في مثل هذه المواقف، وبعد أن خلت الدار من الفرحين والمتعجبين وأهل الطلعة «والشمارات». قامت «بت أم بعلّو» ونظرت نحو زوجها المحتار وقالت بلغة ساخرة: «الحنوط دا ما بزيلوا إلا طبقة بوخة وحفرة دخان من طلح بحر أزرق». وذهبت تتبختر وتنتظر التفاتة محسوبة لزوم المزايدة «وقطع الفشفاش». دارت الأيام واحتملها صاحبنا عاماً آخر فماتت مرة أخرى.. وتمت ذات الطقوس، ولا زال باب الحديد الضيق «اللبني» الصدئ الجوانب صامداً ورفعت الجنازة بذات الطريقة، فاذا بالزوج يصرخ مستنجداً «بالله يا جماعة دقيقة.. خلوني أجيب خشبة ارفع السلك»، وفعلاً شنق سيادته السلك الكهربائي عالياً حتى خرجت الجنازة وقبرت.. وبرغم مرور عشرة أعوام على الحادثة فإن صاحبنا «لو وشوش صوت الريح في الباب يسبقنا الخوف قبل العينين»!! مع الاعتذار لصديقنا اسحق الحلنقي والباشكاتب. < القلق الذي يعيشه هذا الوزير السابق «والشلهتة» والتمزق.. واحتراق القلب بمفارقة المنصب.. يذكرني القيم التي يجب أن تتوافر لأصحاب المناصب، حتى إذا فارقوها لا يفارقهم عقلهم ولا قلبهم ولا تحتار أسرهم وقبائلهم في تدبير مستقبلهم. وهي نصيحة يجب أن تدّخر لأي تعديل وزاري قادم، فقد امتحن ملك أحد المرشحين للوزارة في بلاطه: ما خير ما يرزقه العبد؟ < قال الوزير: عقل يعيش به. < فقال الملك: فإن عدمه؟ < قال الوزير: فأدب يتحلى به. < وقال الملك: فإن عدمه؟ < قال الوزير: جمال يستره. < فقال الملك: فإن عدمه؟ < قال الوزير وقد ظهر عليه الضجر: فصاعقة تحرقه فتريح منه العباد والبلاد. اللهم أمين.. خاصة أن الخريف على الأبواب. < قال لي أحد الأحباء وهو من القارئين والجامعين للتراث ونوادر الأمم وأخبارها، هل ترى أن صلابة إيران وتحديها للصلف الأمريكي والأوروبي في سبيل حقها المشروع من العلم النووي، عائد لدينها وتراثها وبرنامجها وقيادتها..قلت له: كل ذلك بجانب مجدها الفارسي ودينها العربي أو قل الأممي وأطل مهيار: سرها ما علمت من خبري فأرادت أن تسأل ما نسبي لا تخالي نسباً يخفضني أنا من يرضيك عند النسب قومي استولوا على الدهر فتى ومشوا فوق رحاب الحقب عمموا بالشمس هاماتهم وبنوا أبياتهم بالشهب وأبي كسرى على إيوانه أين في الناس أب مثل أبي قد لممت المجد من خير أب وورثت الدين من خير نبي فجمعت المجد من أطرافه سؤدد الفرس ودين العرب < حزنت وأنا بالخليج أن أحد الأحباب العرب سألني عن المجموعة الكاملة لمحمد أحمد محجوب، فلم أجد عندي إلا «قلب وتجارب» و«مسبحتى ودني» وديوان شعر مخطوط ما زال عند تلميذه الوفي الاستاذ التيجاني الكارب المحامي والقانوني الضليع، كما علمت من أحد جواسيس الأدب والمثاقفة بالمدينة. «والأخ التيجاني له الحق أن يثبت أو ينفي».. وحتى تضع الحرب أوزارها وتتفرغ الخرطوم للكتاب والقراءة والمثمر والمفيد، بعثت له بأبيات المحجوب حين سرق أحد المعارضين قلمه في الجمعية سرقة بيضاء، وكانت للمحجوب معزة وإعزاز خاص لهذا القلم، وكانت له معه ذكريات ومرافعات، فكتب راثياً القلم ومعاتباً المتعدي ماذا صنعت به وكان اذا جرى نفث البيان الحر غير مقيد قلم تحرر من قيود زمانه ومضى طليقاً لا يدين لسيد كالحية الرقطاء ينفث سمه أما غضبت على أثيم معتد؟ واذا رضيت فما أرق سطوره نثراً وابهاها عقود زمرد صاحبته زمناً فأحسن صحبتي وودت لو يبقى يقاسمني غدي يا سارقاً قلمي جهلت مكانه لا يعمل الصمصام إلا في يدي


تعليق واحد

  1. واخير وافقت جامعة الخرطوم منح الفلطوح حسين خوجلى الدكتوراة الفخرية فى علم الزراط ( جمع ذرة ) .. مبروووك !!!