أبشر الماحي الصائم

العطبرواي .. وطن يرحل بعضه


كانت مدينة عطبرة وﻻزالت تمثل حالة وطنية متقدمة، إذ إنها نتاج ﻻنصهار مجموعة بطون قبلية وإثنية وجهوية شكلت (المجتمع العطبرواي) المدينة التي حمل اسمها عطر الأغنية الوطنية الراحل حسن خليفة العطبرواي ، حيث كانت = عطبرة حسن خليفة = من المناطق التي تشد اليها وسائط الإعلام الرحال في مواسم الاستقلال، لتستنطق (الرجل الوطن) .. الرجل القضية، حسن خليفة العطبرواي الذي تيتمت عطبرة برحيله !! .. فلئن كنا في أعياد الاستقلال نستعصم بالعطبراوي فليس أقل من أن نحتفل اليوم بسيرته الذاتية ..
* سأكون مديناً في فكرة ومعلومات هذا المقال للإعلامي العطبراوي هشام محمد عباس ..
* ولد الفنان حسن خليفة محمد الفضل الشهير “بالعطبراوي” في عام 1921م بمدينة عطبرة وانتمى وهو في السادسة من عمره لخلوة الشيخ حمزة محمد حامد ليحفظ القرآن الكريم، ثم المدرسة الشرقية بعطبرة إلا أنه ترك الدراسة واختار مهنة التمريض بمستشفى عطبرة، وبعد ذلك هاجر إلى مدينة الإسكندرية في الفترة من 1936-1939م متأثراً بالحياة الثقافية والفنية ..
* ويعتبر عام 1940م هو البداية للفنان العطبراوي مع الغناء.. حيث بدأ ثنائي برفقة محمد سعيد العقيد، ثم يوسف أمين وهو من أبناء مدينة ود مدني.
وفي منتصف الأربعينيات تعلم العطبراوي العزف على العود بنادي النيل بعطبرة وغنى بعد ذلك بمصاحبة الموسيقى، وفي العام 1948م قدم المرحوم متولي عيد دعوة للفنان العطبراوي ليغني في الإذاعة السودانية وسجل أغنيته (أنا سوداني) .. وعند انشاء التلفزيون السوداني في العام 1962م كان للعطبراوي نصيب وافر من الغناء.
وفي عام 1950م كوَّن العطبراوي أول دار لتجمع الفنانين بعطبرة، وقد كانت مشتركة مع فرقة النهضة والتي كان من أبرز أعضائها الطيب حسن الطيب ومصطفى عبد العزيز وعبدالرحمن مصطفى، وقد قام بدعم الدار بعض الخيرين من أبناء المدينة مثل محمد عبد الماجد أبورجيلة وأبوطالب عريف، وكل هذه الأسماء ساهمت في الحركة الوطنية ضد المحتل، ومن الأغنيات الخالدة للعطبراوي (يا غريب يلا لي بلدك) ليوسف مصطفى التني ، وأغنية (ست البنات) لتاج السر عباس، و(القلوب مرتاحة) للطاهر محمد عثمان، و(المسافر) للشاعر حسب الباري سليمان، ومسيحية للشاعر أحمد على طه، و(في بعادك) لنجم الدين الكرفابي، وقصائد للأمير عبد الله الفيصل، وغير ذلك من الأغنيات الخالدة و… و..
* ظل العطبراوي محباً لعطبرة التي أنجبته، ولم يستجب للإغراءات بالاستقرار في الخرطوم، فأصبحت وسائل الإعلام تسعى إليه وهو في منزله في وسط المدينة، وظل العطبراوي مخلصاً لأصدقائه ومعجبيه ولأبناء عطبرة الذين حشدوا إمكانياتهم كافة، وشيدوا المنزل الذي توفي فيه عرفاناً ووفاءً من أهل عطبرة له من خلال لجنة عليا جمعت ألوان الطيف الاجتماعي، وكان على رأسها الأستاذ المرحوم أمين عبد المجيد الناشط الاجتماعي المعروف.. وقد خرج جثمانه الطاهر من هذا المنزل بعد ليلة حزينة من ليالي عطبرة وشيعته كل المدينة، وقررت أن يكون الدفن صباحاً حتى يتجول الجثمان أرجاء عطبرة كافة، وكان الشيخ عباس الخضر الحسين النقابي المعروف قد حضر من الخرطوم ليؤم المصلين والمترحمين على حسن خليفة العطبراوي، وكان الوفاء من اتحاد الفنانين بقيادة الدكتور عبد القادر سالم وهم يتلقون العزاء في فقد السودان.
*مات العطبراوي ورحلت معه الذكريات الجميلة التي كان يرويها عن الاستقلال فتعطى المناسبة نكهة عطبراوية ذات مذاق خاص.. ولكن تبقى أغنياته وذكرياته ومنزله بعطبرة رمزاً من رموز الغناء الوطني الأصيل .. ألا رحم الله فقيد الوطنية حسن خليفة وأنزله منازل الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ..