رأي ومقالات

الغياب عن (الجبنة يوم الخميس)


شكرا …كتير
حاجة زينب جارتي …ما ان خرجت من الباب حتى وجدتها وهي تكنس امام منزلها …تصرخ في احد الشباب الذي ألقى بكيس القمامة من على البعد ..فتفتق ناثرا ما جمعه …بادرتها بالحديث اولا تحسبا لموجة (اللوم ) التي اعتادت ان تلقيها على وجهي ما ان تراني ..(شنو يا حاجة زينب ..يعني انا اسافر واعمل عملية في عيني وارجع …مافي زول منكم يجيب خبري ولا يجي يكفر لي ؟؟)..اصابها الهلع لوهلة قبل ان تقول لي (يطرشني ما سمعت بي عمليتك …اليوم داك في سماية بت خالدة سألت منك قالوا سافرتي لي أبو عيالك …لكن زول جاب لي سيرة المرض مافي )…انبسطت من نفسي ..ذلك انني نفذت سياسة الهجوم خير وسيلة للدفاع …فقد كنت دائما في موقع المدافع عن التقصير في الواجبات الاجتماعية والغياب عن (الجبنة يوم الخميس ) …وهي تتحدث وتتعتذر ..قاطعتها قائلة (ما في مشكلة ..انا كنت عايزة اقول ليك شكرا ..انك دايما سائلة مني ..وبتفقديني في اللمات )..سرعان ما انفرجت اساريرها ..وضحكت ..تغير مجرى الحديث من عتاب الى سؤال عن الاحوال ..وكيف لقيتي ابوكم …غادرتها وهي تدعو لي بالتوفيق …ما الذي تفعله كلمة (شكرا ) فينا ؟؟ ..اربعة احرف ..تسحر قلوبنا وتجعلنا نحس بأننا فعلنا شيئا ما ..ملأني ذلك الاحساس بالامتنان لاناس شكلوا معالم لحياتي ولم اتوقف يوما لاقول لهم ذلك …اؤلئك الذين اعبر امامهم يوميا فيلهمون قلمي بشتى القصص والحكايات ويثيرون في عقلي الكثير من التساؤلات وينثرون في يومي جميل البسمات والضحكات …شكرا لأطفال الفوارغ ..الذين يجمعون قناني المشروبات الغازية الفارغة ..يقطعون مسافات طويلة سيرا على اقدامهم ..يحملون جوالات ضخمة تعادل اضعاف اوزانهم ..رغم ذلك يبتسمون ..يدندون باغنية (نحن نأكل الفتة ..نلف بأي حتة ..نلملم الفوارغ لحدي سوق ستة)…شكرا لعشوش ..تلك الطفلة الصغيرة التي تساعد والدتها في عمل الفطور البلدي ..تجدها ضاحكة وهي تسرع بطلبات القراصة الحارة …وتغني بصوتها الصغير (ابو لي بي يا اللبن )..شكرا لسعد الفكهاني ..ذلك الشاب الذي أعطاني درسا في الطموح ..غادر الشارع لدراسة الصيدلة ولم يغادر قلوبنا …شكرا لنفيسة بائعة الكسرة ..تلك التي تجلس ساعات طوال في حر الشمس ..لا ينقص الحر من تبسمها شيئا …شكرا لي خميس ورنيش الذي صرت اصادفه كثيرا …شكرا لكل من صدقني الحديث والوعد فقد علمت منه ان الدنيا لا زالت بخير ..وكذلك شكرا لمن خدعني واخلف وعده ..فقد عرفت انه لا زالت بي بقية من ايمان ولا زلت احسن الظن بالاخرين…شكرا لكل من جمع القمامة من الطرقات..لكل من نظف امام منزله ..لكل من ملأ (الازيار ) لسقيا عابري الطريق ..لكل من زرع شجرة قصاد الباب ..شكرا لتلاميذ المدرسة الذين يجملون صباحي بالاناشيد …لكل من بادلني الابتسام هذا الصباح …واخيرا شكرا لكل من تابعني وسأل عني اثناء الغياب …قولوا شكرا لكل من يستحق …فهي كلمة مضادة للاكتئاب ..ومجلبة للسعادة الفورية …شكرا كتير

د. ناهد قرناص


‫3 تعليقات

  1. شكرا يا دكتورة ،، ادام الله عليك نعمة الصحة و العافية ،،،

  2. شكراُ لكي وانتي تجملين صباحنا بكلماتك الرائعة التي نخرج بها من اجواء العمل والغربه(ونرجع صادين علي الحلوين)

  3. وشكرا لك يا دكتورة حيث اعدت لنا زمن الكتابات الجميلة الرائعة شكرا لك أن جعلتينا مدمني متابعة عمودك الرائع