استشارات و فتاوي

ما حكم تخصيص ليلة رأس السنة بعبادة ؟


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فقد طرح بعض الإخوة سؤالاً حول تخصيص ليلة رأس السنة الميلادية بعبادة استدلالاً بالحديث الصحيح (عبادة في الهرج كهجرة إليَّ) وجواباً على ذلك أقول مستعيناً بالله عز وجل:
قوله صلى الله علـيه وسلم «عُبَادَةٌ فِي الْهَرْجِ – أَوِ الْفِتْنَةِ – كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» رواه الطبراني في الكبير من حديث معاوية بن قرة عن معقل بن يسار رضي الله عنه، وقد ذكره الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الجامع الصحيح وزيادته، والهرج هو الاختلاف والفتن، وقد فُسِّرَ في بعض الأحاديث بالقتل؛ لأن الفتن والاختلاف من أسبابه، فأقيم المسبَّب مقام السبب.
ولا بد في الجواب عن هذا السؤال من بيان أمور:
أولها: أن المسلم مأمور بالحذر من الابتداع؛ لعموم النصوص الناهية عن ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وقوله (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وقوله (وإياكم ومحدثات الأمور) وقوله (إن الله تعالى قد احتجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته) وقد عرَّف العلماء البدعة بأنها كل عبادة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي لها وعدم المانع منها.
ثانيها: أن النهي وارد عن تخصيص ليلة بعينها بعبادة دون دليل شرعي؛ فقد نهى رسول الله صلى الله علـيه وسلم عن تخصيص ليلة الجمعة بعبادة؛ حيث روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي) فإذا كان هذا النهي عن تخصيص ليلة الجمعة التي هي خير ليالي الأسبوع فمن باب أولى النهي عن تخصيص ليلة ليس لها مزية على سائر الليالي
ثالثها: التعلق بليالي رأس السنة هو من عادات الكفار وقد نهينا عن التشبه بهم. فثبت عنه صلى الله علـيه وسلم أنه قال (من تشبه بقوم فهو منهم) فحري بالمسلم أن يهمل تلك الليلة ولا يلتفت إليها البتة؛ فهي كغيرها من الليالي لا يتعلق بها فضل ولا مزية
ومهما يكن من أمر فالمسلم مأمور بطاعة الله في سائر الليالي والإقبال على الذكر والعبادة، خاصة قيام الليل فإنه مأمور به في قول ربنا جل جلالـه {قم الليل إلا قليلا} وقوله {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} وقد قال صلى الله علـيه وسلم (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الجَسَد)
ولا حرج من الدعوة إلى قيام الليل بشكل جماعي إن كان الدافع لذلك أمراً مشروعاً ومن ذلك:
أولاً: تعليم الناس تلك العبادة التي هجرها كثيرون وتعويدهم عليها
ثانياً: شغل الناس بطاعة الله في ليلة يكثر فيها الكفر والفسوق والعصيان
ثالثاً: إيجاد البديل الشرعي لمن يهوى السهر في تلك الليلة
وأما لو كان الاجتماع مقصودا لذاته لاعتقاد فضل ومزية لتلك الليلة على غيرها فإنه حينئذ لا يجوز لما سبق ذكره، والعلم عند الله تعالى

د. عبد الحي يوسف


تعليق واحد