نور الدين مدني

لا يمكن حصرها في قسمة السلطة والثروة


*ندوة المنتدى الأدبي السوداني بسدني هذا الشهر كانت حول محاضرة قدمها بكري جابر في ملبورن ونشرها في بعض المواقع الأسفيرية‘ لإعادة قراءتها معه وتناولها بالنقد والتحليل.

*هذه المحاضرة التي لخصها في المنتدي بعد أن وزعها مطبوعة بعنوان “جدلية المثقف والسياسي في السودان” أثارت نقاشاً حياً حول قضايا الثقافة والسياسة والأيديولوجيا والاستقلال الفكري والإلتزام الحزبي.

*تكتسب هذه الورقة المحاضرة أهمية خاصة في ظل ظروف السودان الحالية التي عادت بالمجتمع السوداني إلى العصبية القبلية نتيجة لتغييب الحراك السياسي الذي أفسح المجال لتنامي حركات مسلحة وأحزاب جهوية “في ردة سياسية واجتماعية” على حد تعبيره في خواتيم الورقة.

*لن ندخل في تفاصيل ما دار من نقاش في منتدى سدني السوداني وإنما نريد أن نشرك” السوداني” في الداخل وفي دول المهجر في هذا العصف الذهني لتهيئة المناخ للإصلاح السياسي والحزبي والثقافي والفكري الذي نحتاجه في الحاضر وللمستقبل.

* من أهم القضايا التي أثارها بكري قضية العلاقة الملتبسة بين المثقف والسياسي وبينه وبين السلطة عندما أشار إلى انخراط بعض المثقفين في العمل السياسي وتحولهم إلى تروس حزبية‘ وإلى بعض المثقفين الذين يلهثون وراء السياسي ويتحولون إلى حارقي بخور.

*يؤكد بكري جابر ضرورة وجود المثقف المستقل الواعي بالواقع السياسي دون أن تستهلكه السلطة وهو يقول : إن آفتنا السياسية تكمن في غياب المفكر المستقل المنعتق من قيود الأيديولوجيا الصماء.

*يورد بكري جابر حقيقة أن الأحزاب السودانية خرجت من معطف المثقفين” مؤتمر الخريجين” لكنها استهلكتهم ‘ لكنه يشير إلى وجود حالات فردية انعتقت نسبيا من القيود الحزبية مثل الدكتور منصور خالد وعبد العزيز حسين الصاوي وحيدر ابراهيم .. على سبيل المثال لا الحصر.

* يستدرك بكري جابر قائلا : هذا لايعني أننا ضد السياسة كممارسة أو ضد المثقف المسيس لكننا ضد هيمنة السياسي على المثقف وتغييب المفكر المعني بصياغة الأطروحات الاستراتيجية بعيدة المدى.

*هذا الاستعراض لأهم ما جاء في الورقة المحاضرة لايعني أننا نتفق مع بكري الذي هو أيضاً وقع في شراك التعميم المخل‘ خاصة عند حديثه عن الكسل الذهني والنفور من الكتابة والتوثيق وضعف التثقيف الذاتي‘ وتغييب الاحزاب السياسية للمشاريع الثقافية وإزاحة الإستراتيجي الفكري لصالح السياسي اليومي.

* الذي يهمنا هنا هو فتح نوافذ الحوار حول هذه الأطروحات مقروءة مع الواقع الذي أصبح هناك شبه اتفاق على ضرورة تغييره وفتح المجال للسوداني الآخر ليأخذ موقعه المستحق في بناء مستقبل السودان.

*إن الأحزاب السياسية والحركات المسلحة خاصة الجهوية منها في حاجة ماسة لإحياء الحراك السياسي الفاعل بلا حواجز أو متاريس واسترداد الديمقراطية المغيبة – داخلها ومن فوقها – لصالح سودان المستقبل حتى ينعم جميع المواطنين بكامل حقوقهم المشروعة التي لايمكن حصرها في قسمة السلطة والثروة فقط لا غير.