أبشر الماحي الصائم

الموازنة .. الطرق تصنع بالمشي


* كنت قبل هذه (الموازنة البشرى) التي زرعت في نفوسنا الأمل “بأن النهضة الاقتصادية ممكنة”.. كنت قبل ذلك أعيب على وزراء المالية الذين ينحدرون من جذور مهنية مصرفية، أنهم لم يكونوا إلا محاسبين كباراً غاية جهدهم إتقان عمليات حصائد أرقامنا المالية، فإن وجدنا خيراً في موازناتنا نحمد الله عز وجل، وإلا فﻻ نلوم إلا أنفسنا في تقصويرنا الإنتاجي، على أن ليس لهم حظ في عمليات التخطيط ورسم خارطة طرق نهضوية !!
* غير أن السيد بدر الدين محمود وزير المالية وعبر أطروحته الموازنية الحالية، قد جعلني أعيد قراءاتي، وهو يخرج علينا كمخطط إستراتيجي باهر يمسك جيداً بكل أوراق اللعبة الاقتصادية، ذلك مما يجعلك تخرج من دهاليز الأرقام إلى متون الفكرة التي رسم ملامحها بإتقان في المؤتمر الصحفي الأخير !!
* على أن أعظم ما استوقفني في هذه (الموازنة العملية) هو فلسفة دعم بنيات الإنتاج من طرق ومصادر مياه فضلاً عن رفد ورفع سقوفات التمويل الإنتاجي، والاجتهاد عملياً في توفير بنيات وتمويلات جديرة بتوسعة القاعدة المنتجة، وذلك بدخول منتجين جدد سيما في المجال الزراعي والحيواني والصناعي، مستفيدين مرة من رفع وتوسعة سقوفات التمويل، ومرات من مرونة الضمانات التي ظلت تمثل العقبة الكؤود في عمليات استغلال السقوفات التمويلية على شحها !!
* فليس هنالك أعظم من توفير مليار دولار لدعم زراعة القمح، الفاتورة الأكثر إرهاقاً لمواردنا الأجنبية الشحيحة أصلا، على أن نمضي تدريجياً في عمليات الإحلال والإبدال للواردات، وذلك ينسحب أيضاً على سلع الزيوت والألبان وبقية المنتجات الزراعية …
* فالعلة الأساسية التي ترهق كاهل اقتصادنا تتمثل في (ضعف الإنتاج)، على أننا نستورد معظم غذائنا تقريباً، وهذا ما استوعبته الموازنة وهي تذهب باتجاه تمهيد الطرق التي تفضي إلى الحقول الإنتاجية، ووضع بعض الحوافز التي تبدأ من محصول السمسم الإستراتيجي الذي انهارت أسعاره مؤخراً، على أن تشتري الحكومة هذه السلعة الدوﻻرية بسعر مشجع ثم تمضي في هذا المضمار إلى نهايته، فعلى الأقل أن عمليات دعم محصول القمح قد ساهمت في استقرار المساحة المزروعة قمحاً ..
* أيضاً إن واحدة من عبقريات هذه الموازنة، أنها لم تنكفئْ على مناكفات الحياة المدنية وإلحاحها السياسي، ولكنها وضعت كل وﻻيات ومحليات السودان تحت قدميها، فما من صقع من الأصقاع البعيدة إلا وحظي بمكتسب تنموي !
* ليبقي التحدي الأكبر في توفير الإرادة الرسمية والجماهيرية، فهذا هو الطريق قد رسم بمنهجية وعلمية محكمة وهو فقط يحتاج إلى أن نمشي عليه حتي يكون سالكاً، وقديماً قيل “ليس هنالك طرق وإنما الطرق تصنع بالمشي..” ها نحن نحتاج إلى المشي بكثافة إلى الحقول ومواقع الإنتاج لنصنع طريقاً يفضي بنا إلى دولة “الإنتاج والكفاية والعدل” .. ومشيناها خُطىً كُتبت علينا، ومن كتبت عليه خُطىً مشاها .. رصوا صفوفكم وقوموا لزراعة أرضكم وعبادة ربكم.