رأي ومقالات

الخيـر يعـم والشر يـخـص.


في إحدى حلقات النقاش المثمرة جداً والمصحوبة بعصف ذهني كبير وصادق؛ لفت انتباهي أحد الزملاء إلى أنه كثيراً ما تستوقف المرء ــ عندنا ــ بعض مفردات الأمثال والمقولات التي تصيب بالضرر والضرار عامة، في حين أن هناك قاعدة فقهية أصيلة تقوم علي أنه: «لا ضرر ولا ضرار»، وقد يكون لها ــ أي تلكم الأمثال الخاطئة ــ قولاً وفهماً وتطبيقاً كبير الأثر السيئ في تربية الناس مما تنعكس بدورها سلباً ــ لا إيجاباً ــ على أبجديات التعامل والمعاملة فيما بينهم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ذكرنا واتفقنا على واحدة من تلكم المقولات الكثيرة الخاطئة وعليها يمكن أن تقيس أنها مقولة «الخير يخص والشر يعم» والتي يستخدمها المعلمون بإسراف وفخر كبيرين في صفوف الدراسة المختلفة، وكذلك كبار الضباط والجنود في معسكرات التدريب «الجيش أو الشرطة أو الإلزامية» وحتى من غالب أرباب الأسر على نطاق الأسر الصغيرة مع الإخوان والأخوات والأبناء وإن لم تبدر منهم بصريح العبارة أحياناً لكنها هي واضحة عندهم عند الممارسة والتطبيق.
> لكن لو دققت قليلاً ــ بغير كبير عناء ــ في هذه المقولة المتداولة بالمقلوب لوجدت أن عكسها هو الصحيح، أي عكس العبارة هو الأسلم والأوفق لتكون: «الخير يعم والشر يخص» لأن معاقبة من لم يخطئ لكن فقط استناداً إلى «الشر يعم» يجعله يكره القيام بفعل الصحيح ولا يتجنب بحرص كامل تفادي الوقوع في الأخطاء في المرات القادمة لأنه ما من سبيل للنجاة ولا بد من العقوبة في حين أن «الخير يعم» قد تردع المقصر وتجعله يتوق لفعل الصحيح حتى يستحق ما بذل له من خير هو في الأساس كان لا يستحقه.
> أما في الشق الأول للعبارة سابقة الاستخدام أن «الخير يخص» وتحديداً في الحالات والمجالات المعروفة والمشهورة بالاستخدام فيها والمذكورة سابقاً، فقد تفتح فيها أبواب الحسد والتباغض أكثر من دوافع معززات التنافس والاقتداء بينما «الشر يخص» فقد تجعل المرء يفكر عدة مرات ومرات حتى لا يرتكب ما يؤدي لعقابه أمام أعين الجميع. وأس البلاء لظهور هذا المثل وجعله صحيحاً فيما بيننا أننا نتستر على الذين يرتكبون الأخطاء لدرجة أن الجهر بهم والإفصاح عنهم جريمة أكبر من الخطأ نفسه ليكون في عقلنا الجمعي أن «العقاب الجماعي أفضل من المكافأة الشخصية».
> لأن جميعنا يعلم أننا نلجأ باندفاع كبير وبلا أدنى تروٍ لهذه العبارة كأننا مضطرون عندما لا نعرف من المقصر ومن الذي ارتكب الجرم، وعليه فمن أجل أن يسود النظام نعاقب الجميع، بمعنى أننا نحن دوماً نسرف في كل ما يؤدي إلى تطبيق العقوبة والترهيب بالشر ونشح ونبخل بما كل يؤدي إلى السلامة والنجاة والترغيب بالخير، لكن يبقى الصحيح هنا وفي مثل هذه الحالات لئن نسرف في العفو والصفح عن الجميع خطأ، خير من أن نسرف في العقوبة والتأنيب والزجر ولو لشخص واحد دعك عن مجموعات كبيرة من الناس.
> وما يجعل هذا المثل مستمراً هكذا وبأخطائه في كل شؤون حياتنا كما ذكرت بسبب التكتم على المخطئين وعدم توجيه النصح والإرشاد لهم إيماناً منا ــ في الأفعال ــ بظاهر النص في قوله تعالى «يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم… الآية»، بينما جاء في تفسير هذه الآية عن أبي بكر الصديق يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم … الآية»، وتضعونها في غير موضعها ولا تدرون ما هي وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه.» كما جاء أيضاً ــ بالمعنى نفسه ــ في السنة الشريفة فيما معناه أن أُنصر أخاك ظالماً بنهيه عن ظلمه، ومظلوماً بدفع المظلمة عنه، في حين أن إهلاك الأمم تكون البداية بصالحيهم لأنهم سكتوا ولم يأمروا بمعروف أو ينهوا عن منكر. إذن نهلك وفينا الصالحون إذا كثر الخبث فهذا الهلاك ليس كما يبدو أنه شر يعم وإنما لحكمة ربانية يجريها الله لتمضي سننه الكونية هو إن إهلاكهم شر يخص، وبالتالي خير يعم مقارنة مع الفائدة المرجوة لخير عموم البشرية. هذا والله تعالى أعلم.

د. معتز صديق الحسن
الانتباهة