مقالات متنوعة

راشد عبد الرحيم : الفريق السر


في ريعان الصبا ونحن على أعتاب مهنة الصحافة كانت المُؤسّسات العامة في السودان شامخة وتليدة، السكة الحديد بشموخها وأغنياتها ومُطربيها والبريد والبرق بكوكبة من الشعراء والأدباء والمدارس تفوق الجامعات علماً ومنفعاً.
ومن هذه المُؤسّسات الشامخة كانت مُؤسّسة السجون والتي ترفد السوق السوداني حينها بمُنتجات مُتميّزة من السلع التي يصنعها وينتجها المَساجين وتأتى أشتات منها من بقاع السودان كلها.
تميزت منتجات السجون بصناعة أخشاب متينة وجميلة وزاهية.
كُلفت وأنا أتدرب على العمل الصحفي في جريدة الصحافة بأن أفتش بتحقيقات صحفية في قصة نجاح هذه المؤسسة وانطلقت إلى سجن كوبر، حيث كلف شاب صغير السن برتبة الرائد أن يشرف على جولتي وتلبية طلبات الصحفية وأنا اسأله عن ميزات غرف النوم والجلوس فأجأني بسؤال:
هل هذه الأسئلة شخصية لزبون أم لصحفي؟
صدمني السؤال لأول وهلة ثم أدركت أنّ في هذا نجاح لي كصحفي، إذ تلبست حالة الزبون وأيضاً كشفت حاجة خاصة خبأتها في المهنة، إذ كنت فعلاً أخفي إرادة الشراء وأنا أتحسب لزواج مبكر.
قلت في نفسي لم يسجن هذا الشاب الذكي قدراته العقلية في محبس السجن؟
لاحقاً صادفت الشاب وهو رجل شرطة كامل الدسم وذلك بعد أن أدمجت السجون مع الشرطة وسميت حينها بقوات الشرطة الموحدة وتعرّفت عليه من بعد وهو ذلم الرجل الذي فاجأني أمس وهو يكتب مودعا الشرطة وأهل الشرطة بعد أن بلغ أعلى مراتبها وكان هو سعادة الفريق شرطة السر أحمد عمر.
عقبت في موقع الواتساب على كلمته المؤثرة الموجهة لرفقاء الرجل وللشرطة السودانية بالقول ان الفريق لا (ينزل) المعاش بل يترقى في العطاء والبذل.
كان الفريق السر ومن خلال موقعه في الشرطة هو الصحفي والإعلامي الشامل والمُتميِّز القادر على أن يبسط هالة على علاقة الشرطة بالإعلام ورجال الإعلام، وما كنا نستطيع أن نفرِّق بينه وجموع الصحفيين ولو لا الزي لحسبناه مننا وفينا.
وكعهد الشرطي فقد كان ولا يزال وسيظل رياضياً مَطبوعاً مُساهماً في الهلال بقلمه وفكره و(عصبيته).
لم ترفد الشرطة السودانية الشعب السوداني فقط بغرف النوم والجلوس من إنتاج السجناء ولا بالمؤسسات الكبيرة الأخرى وإنما بما هو أعز وأثمن كوكبة من الرجال الأفذاذ الكبار في كل شئ.
سنكسب الفريق السر ولن تخسره الشرطة وهو يترجل بسبب بلوغ عتبة المعاش وليس بكشف إحالة فمثله لا يُحال، بل يُحيل كل أمر لخير.
مضى العمل ويمضي الفريق السر رقماً لا ينسى ولن يفتقد.
والتحية لكل شرطي في كل شبر من أرض السودان.