الطيب مصطفى

الفريق عطا و …


الفريق عطا والدعم السريع
مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق أول محمد عطا تحدث في حواره مع لينا يعقوب عن الدور القتالي الذي يقوم به جهاز الأمن حالياً بعيداً عن دوره التقليدي وعن تبعية قوات الدعم السريع للجهاز وليس للقوات المسلحة، وأوضح أن الجهاز كان من قديم، وقبل الدعم السريع، يقوم بأدوار قتالية من خلال سرية العمليات التي تصحب القوات المسلحة ويقودها أحد ضباط الجيش، وأشار إلى استشهاد عدد كبير من أفراد الأمن في منطقة بوطة بغرب كردفان قبل إنشاء الدعم السريع وتساءل: ما الذي جعل الأحزاب السياسية المعارضة توافق على مشاركة الطلاب والموظفين في القتال ضد المتمردين، ولماذا يعترض البعض على مشاركة جهاز الأمن في مكافحة التمرد ومن هو الأولى بالقتال دفاعاً عن أمن البلاد وسيادتها على أراضيها جهاز الأمن أم الطلاب؟
ثم استطرد قائلاً إن القوات المسلحة تؤدي مهاماً كبيرة، (بينما استخدم التمرد في دارفور أسلوب المجموعات الصغيرة المزعجة المنتشرة على مساحة كبيرة ومثل هذه العمليات تصنف على أنها عمليات أمن داخلي والأجسام الصغيرة كقوات الأمن يمكن أن تؤدي دورها بفاعلية في هذا الصدد ومن هنا جاءت فكرة إنشاء قوات الدعم السريع لتؤدي مهاماً مختلفة لأنها تتمتع بخفة الحركة).
تعليقاً على حديث الفريق عطا أقول إن الكبار من القيادات الوطنية والسياسية الذين تعنيهم سلامة الوطن وأمنه واستقراره يفترض ألا يصبحوا صغارًا ينظرون من ثقب الإبرة ويغرقون في الصغائر أو قل (في شبر موية) ولا يمكن لأي عين بصيرة ووطنية ومنصفة أن تخطئ النظر لما تحقق من إنجاز في جبهات القتال وما ظفرت به قوات الدعم السريع من انتصارات باهرة أوشكت أن تقضي على التمرد خاصة في دارفور الأمر الذي يصب في هدف استعادة هيبة الدولة التي تأثرت كثيرًا جراء تفلتات المتمردين الذين تكاثروا كالفطر خلال السنوات الأخيرة ويمهد لانخراط حملة السلاح ولوردات الحرب في الحوار الوطني من أجل الانطلاق ببلادنا إلى مرحلة جديدة من تاريخها السياسي يسودها السلام والحكم الراشد والتداول السلمي للسلطة.
لم يجب الفريق عطا بصورة واضحة عن السؤال: لماذا لم تُضم قوات الدعم السريع إلى القوات المسلحة وليس مهماً الآن أن نعرف الإجابة بقدر ما يهمنا أن نطمئن إلى أن الترتيب الحالي مجرد إجراء استثنائي مؤقت اقتضته الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها البلاد وأنه بمجرد أن يعم السلام وتنتهي الحرب ستعود المياه إلى مجاريها وتقتصر المسؤولية عن حماية التراب الوطني على القوات المسلحة ويعود جهاز الأمن إلى دوره الأساسي كمستودع للمعلومات التي ينبغي أن تُوفّر لصاحب القرار السياسي والعسكري من أجل مباشرة أجهزة الدولة لواجبها في حماية الوطن وسلامة أراضيه وتحقيق نهضته وتطوره.
مما أثلج صدري بحق من حديث الفريق عطا دور جهاز الأمن في مكافحة التهريب فقد نجح الجهاز كذلك في سد نقص آخر في مجال العمل الشرطي من خلال مكافحة الجريمة خاصة تهريب السلاح الذي يشكل خطراً كبيراً على الأمن القومي واستطاع الجهاز منذ إنشاء ملف مكافحة تهريب السلاح قبل سنتين ونصف، حسب الفريق عطا، من القبض على أكثر من (180) عملية سلاح مهرب وأنشأ كذلك لجنة نيابية أمنية شرطية تمكنت من إصدار أحكام في أكثر من (100) قضية تهريب سلاح فما أعظم تلك المهمة التي اضطلع بها الجهاز والتي بح صوتنا ونحن نتحدث عنها ذلك أن حركات التمرد التي كثيراً ما تدعم من جهات أجنبية تنشط في زرع الخلايا النائمة داخل العاصمة وغيرها من المدن بغرض استخدام السلاح لإحداث الفوضى والثورة المسلحة في اللحظة المواتية وما محاولة غزو أم درمان قبل نحو أربع سنوات عنا ببعيدة، وما تصريحات رجال الأمن في إسرائيل حول إستراتيجية الكيان الصهيوني لتقويض أمن السودان وإعاقة استقراره حتى لا ينهض ويكون له دور إيجابي في محيطه الإقليمي يعرض أمن الكيان الصهيوني للخطر إلا مثالاً حياً آخر على ذلك.
نواصل

الفريق أول عطا والحريات
استمتعت بالخبطة الصحفية المتميزة التي أجرتها لينا يعقوب عبر صحيفة (السوداني) مع مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول مهندس محمد عطا، ونظرًا لتعدد محاور الحوار فسأمر في حلقتين على بعض ما أراه يستدعي التوقف عنده، ويجدر بي أن أتطرق للقضية التي استدعت لغطاً وعصفاً ذهنياً عميقاً بين بعض القيادات الصحافية ولمبررات الفريق أول عطا لاتخاذ اجراءات استثنائية ضد بعض الصحف والتي تعلل فيها بـ(جليطة) بل جريمة اتحاد الصحافيين الذي أوقف المسلسل الإذاعي (بيت الجالوص) لمجرد أنه تناول انحرافات بعض الصحافيين، وأقولها ضربة لازب وبدون أدنى تردد إنه يحق لمدير الجهاز أن يستدعي تلك الواقعة ليقيم الحجة على من يطالبون بالحريات رغم أنهم يكبتونها وليبرر صنيعه متكئاً على ما اقترفه دعاة حرية التعبير من جرم وهم يأمرونه بالبر وينسون أنفسهم، فقد قطع هؤلاء ألسنتهم ومنحوا من حذا حذوهم وصنع صنيعهم شرعية كسر أقلامهم وخنق صوتهم بهجمة مرتدة ومبررة أسكتهم بها وأخرسهم ولا أجد منطقاً في احتجاج من زعم أن اتحاد الصحافيين لا يعبر عن الصحافيين ذلك أنه ما من جهة معتبرة تعبر عنهم غيره.
الغريب في الأمر أن اتحاد الصحافيين لم يرجع ويصحح موقفه حتى يوقف سيل النقد الذي وُجّه إليه وآخره ما صدر بسخرية غير مباشرة من الفريق عطا الذي يحق له أن يدفع بأنه يغلق الصحف حفاظاً على ما يراه حقاً عاماً يذود به عن الوطن والشعب، بينما انتصر اتحاد الصحافيين وهو يقترف جليطته لفئة صغيرة من عضويته لا تستحق أن يضيق الخناق على حرية التعبير من أجلها.
أقول ذلك بالرغم من أن الأصح أن يستند الفريق عطا إلى القانون والمواقف المبدئية لا على منطق (أنا واخوي الكاشف)، ذلك أن المبادئ أولى بالرعاية ومنطق (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) هو الأجدر بأن يسود، ذلك أن الخطأ لا يبرر تكراره سيما وأن أعلى سلطة دستورية (المحكمة الدستورية) كانت قد فصلت في دعوى صحيفة (التيار) التي قضت بموجبها بعدم جواز إيقاف الصحف من قبل جهاز الأمن أو غيره وأن القضاء هو السلطة المعنية بالبت في الاتهامات المتعلقة بحرية التعبير .
أقول هذا بالرغم من موقفي المبدئي الذي يقدم الأمن على الحريات، وعندما حدثت تفجيرات باريس مؤخراً زلزلت الأرض زلزالها في أوروبا وصدر تصريح مدوٍّ من السلطات الفرنسية بأن الأمن مقدم على الحرية، ولذلك شرعت الدول الأوربية والاتحاد الأوروبي في التداول حول أهمية إجراء تعديلات قانونية تواكب الأوضاع الأمنية المستجدة بعد تلك التفجيرات شملت على سبيل المثال تأشيرة (شنجن) حول حرية التنقل بتأشيرة واحدة بين الدول الأوروبية.
ذلك يعني أن القانون ينبغي أن يساير التحولات الأمنية والتغييرات السياسية.
أقول ذلك استشعاراً للمسؤولية تجاه وطن مأزوم تتهدده أوضاع أمنية متفجرة تشمل محيطه الإقليمي بل والدولي ذلك أن الحفاظ على الوطن وتأمينه مما يمكن أن يعصف به ويحيله إلى بؤرة ملتهبة تشبه الحالة السورية أو الصومالية أو الليبية مقدم على توفير الحرية المطلقة التي يطالب بها البعض رغم أن بلادنا مهددة من حركات مسلحة وخلايا نائمة لا تتورع من السعي لاقتحام العاصمة وقد رأينا بأم أعيننا محاولة غزو الخرطوم قبل أربع سنوات كما نعلم عن بعض القوى السياسية والحركات المسلحة التي تعلن على رؤوس الأشهاد عن سعيها لإسقاط النظام بالقوة أياً كان البديل.
أقول إن من يقدمون مراراتهم الشخصية وانتماءاتهم الصغيرة سواء كانت حزبية أو عنصرية على الوطن وأمنه وسلامه الاجتماعي ليسوا جديرين بتحديد خياراته السياسية، فأمثال هؤلاء يشكلون خطراً على أمننا واستقرارنا وهم من يُخشى أن يسوقوا البلاد إلى المستنقع الذي تتقلب فيه بعض الدول التي تعاني اليوم من الحروب الأهلية الطاحنة.
نعم، إن السودان بلد موبوء بالحروب رغم أن حدتها قد خفت كثيراً في الآونة الأخيرة الأمر الذي يجيز له أن يستصدر من التشريعات ما يحفظ أمنه بلا تعسُّف يبرر الطغيان والتضييق على حرية التعبير، وهذا ما ينبغي ألا تنفرد الحكومة لوحدها بفعله إنما بإشراك المعارضة من خلال الحوار الجاري الآن بعد أن يستقيم أمره ويصبح شاملاً ومعبراً عن الأمة السودانية.
أقول للفريق عطا إنه لا يجوز الخروج على الدستور الذي يعتبر عهداً واجب النفاذ وعلى السلطات المختصة أن تنصاع له إذ لا يحق لها أن تطلب من الشعب احترام الدستور وتبيح لنفسها الخروج عليه، ولذلك فإن كل الاجراءات الاستثنائية لا تجوز بأي حال سيما مع أجواء الحوار الذي نرجو ألا يحدث ما يعكر صفوه وأن يلتزم بخارطة الطريق بمطلوباتها التي تنص على أن القضاء وحده هو الفيصل.