عبد الباقي الظافر

دفعة جلالة الملك..!!


٭ حينما استعصى حل المشكلة الصغيرة مضت الطالبة السودانية إلى ولي العهد شخصياً .. تعود الحكاية إلى جامعة الملك محمد الخامس بالرباط.. في النصف الثاني من الثمانينات كان الآلاف من الطلاب السودانيين يدرسون في الجامعات المغربية على نفقة حكومة جلالة الملك.. هذه الجامعة المميزة كانت تضم أبناء النخبة المغربية بما فيهم أنجال الملك الحسن رحمه الله.. مولاي محمد السادس كان يدرس العلاقات الدولية ويَغشى قاعة الدرس كغيره من الطلاب..لا يميز ولي العهد غير مكتب صغير يأوي إليه في أوقات الفراغ الأكاديمي .
٭ منذ فترة أتتبع سيرة اثنين من الشباب المصريين جاءوا للسودان لتلقي الدراسات العليا.. جامعة عريقة طلبت من الشابين مبلغ عشرة آلاف دولار كرسوم لدبلوم عالي.. هذا المبلغ يوازي قيمة شقة صغيرة في أحد أحياء القاهرة الشعبية..استكثر الشابان المبلغ ثم سافرا إلى دولة أخرى توفر تعليماً متميزاً بتكاليف معقولة.. قبل أن يسافر الشابان لم يكن مطلبهم سوى معاملتهم أسوة بإخوتهم السوريين أو اليمنيين .. رعايا سوريا الجريحة واليمن الحزين يعاملون كغيرهم من السودانيين.
ليس وحدهم المصريين الذين أُغلقت في وجوههم أبواب التعليم في السودان.. أبناء جنوب السودان الذين أصروا على إكمال تعليمهم في السودان وبالمنهج العربي يواجهون حالاً أصعب.. كُتب على هؤلاء التلاميذ أن يدفعوا رسوم امتحان الشهادة الثانوية بالدولار.. من لم يتمكن من إحضار مائة وخمسين دولاراً من السوق الأسود جداً لن يسمح له بالجلوس للامتحان .
٭ أغلب الظن أن من بيدهم القلم لم ينظروا خارج مدى الرؤية المجردة .. إنها ذات عقليتنا في التسويق (كان عجبك اشتري).. تشجيع طلاب جنوب السودان لمواصلة تعليمهم بالعربي واجب حضاري والتزام أخلاقي.. تلاميذ اليوم هم قادة الغد في الجنوب .. ستنجح الدبلوماسية السودانية كلما كان لها رصيد كبير في وجدان أشقائنا من مواطني جنوب السودان .. بل كان من المأمول ان تفتح جامعة بحري فرعاً لها بدولة جنوب السودان حتى تواصل رعايتها للطلاب الذين درسوا بشمال السودان قبل أن تهب رياح الانفصال.
٭ أما بالنسبة لإخوتنا في مصر فالواجب أن نعاملهم كالسودانيين تماماً.. مصر فتحت أبواب جامعاتها لمئات الآلاف من السودانيين.. اسماء لامعة مثل بروفسور أبوصالح وسيد أحمد الحسين والدكتور أحمد السيد حمد والسموءل خلف الله درسوا في مصر.. حينما بعدت المسافة جاءت مصر بجامعة القاهرة إلى الخرطوم.. الجامعة المعروفة شعبيا باسم (الفرع) رفدت الحياة العامة بعدد كبير من قادة الخدمة المدنية ورموز العمل السياسي .. الآن جاء دور السودان في رد الجميل .. فكل مصري يدرس اليوم في السودان سيكون سفيراً شعبياً يعرِّف ببلدنا ويصحح المعلومات المشوهة عن السودان في المخيلة المصرية.
٭ وفي تقديري.. من المهم جداً ألا نتعامل مع الطلاب الأجانب باعتبارهم مصدراً للعملة الحرة.. بداية إن مستوى التعليم في السودان الآن لن ينافس الجامعات في المحيط الإقليمي .. لهذا السبب لن تكون جامعاتنا قبلة للطلاب الأجانب .. ممن تضطرهم الظروف، علينا أن نيسر عليهم المهمة.
٭ بصراحة .. في كثير من الأوقات نهدر الفرصة الذهبية ونرمي الكرة خارج الشبكة.. لكن من حسن الحظ مازالت المعالجة ممكنة .