الصادق الرزيقي

في الحوار.. وعن الدورة المدرسية


عبارة لزجة..
> بدأت عبارة «الاتصال بالممانعين للالتحاق بالحوار» تأخذ مكانها بجدارة في قاموس العبارات فارغة المضمون وغير ذات الجدوى، وتجري باردة وباهتة على ألسنة السياسيين، فليس هناك ممانعون للحوار يمكن أن يلتحقوا به، فلو كانوا بين بين، أو متشككين في بداياته، أو منتظرين لأولى خطواته، لقال الجميع انتظروهم حتى يحل اليقين محل الظن والشك، لكنهم من الأساس غير مقتنعين بالحوار ولا يرغبون فيه، ولو قدمت لهم الحكومة كل ما يطمئن وبذلت لهم المطارف والحشايا، فلن يشاركوا ولن تطأ أقدامهم الخرطوم.. لأن ما يريدونه لا يأتي عن طريق الحوار، فبغيتهم لا توجد في قصعة آلية «7+7» حتى يمدوا أيديهم ويتداعوا عليها!!
> لقد انطلق الحوار من أكتوبر الماضي، وكثير من حاملي السلاح انضموا إليه، بعض القوى السياسية المعارضة والمجموعات المسلحة، التي تتزيَّد وتتعنَّت وتمانع وتربط مصير البلاد بمصالحها الضيقة وبفواتيرها التي ستدفعها للخارج، لا تريد اللحاق به ولا تحدثها نفسها في ذلك، فلماذا يصر مناصرو الحوار والمنخرطون فيه كلما سنحت لهم الفرصة بالحديث على مضغ هذه العبارة اللزجة الخفيفة على اللسان والميزان..؟ فليس من الحكمة السياسية إطلاق العبارات التي لا تستند على قدمين، بإعطاء إشارات سالبة بأن الحوار شبه منقوص ولن يكتمل نموه ولن تولد مخرجاته إلا بلحاق المانعين له، كأنهم من شروط وجوبه وصحته!!
> العبرة في الحوار الوطني كما دلت التجربة العملية اليومية، بنوع القضايا التي تُطرح كل يوم والنقاشات الحامية في المحاور الستة التي بُني عليها الحوار، فليست هناك قضية وطنية يتشدق بها المعارضون والممانعون ويملأون الفضاء ضجيجاً بها، إلا وتم عرضها والتحاور فيها ولم تزل على الطاولة وفي أروقة اللجان يتم تشريحها والتداول حولها، فبدلاً من الدعوة المستمرة التي تطلقها آلية «7+7» أو قيادات المؤتمر الوطني، للمقاطعين للحوار للحاق به، يمكن التركيز على ما يجري بالفعل وتحرير نقاط الخلاف إن وجدت وإبراز التقدم الفعلي في الحوار والنقاط التي تم الاتفاق عليها حتى اللحظة..
> فمن المفيد حقاً للحوار أن يمضي بثقة أكبر دون الالتفات للغائبين عنه، فقد ثبت مع الأيام، أن عدم الانخراط فيه والامتناع عن المشاركة، لا علاقة له بالتحضيرات أو اللقاء التحضيري بالخارج أو أي من تلك الدعاوى المعطلة، فكل من قاطعه ذو غرض سياسي واضح، حدد أهدافه من البداية ووضع شروطه للمشاركة قبل انطلاق الحوار نفسه، ومثل هذا المسلك غير مفيد بالطبع وصاحبه غير حريص وليس من المصلحة تضييع الوقت في انتظاره أو يُرجى حضوره مهما كان وزنه.
الدورة المدرسية
> تنطلق اليوم من عروس الرمال مدينة الأبيض، منافسات الدورة المدرسية في نسختها الخامسة والعشرين، بالرغم من أن العمر الحقيقي لها أكبر من ذلك، وهي حدث يجب أن نعطيه حجمه وأهميته. فالوجدان الوطني لأجيال كثيرة عاصرت الدورة المدرسية من الدورة الأولى، شكلته هذه المنافسات القومية، وربطت بين أجزاء الوطن وأعطت ثماراً ملموسة، شكلت الفضاء الثقافي والإبداعي والرياضي في البلاد منذ النصف الأول منذ السنوات السبعين من القرن الماضي، فهي ليست مجرد حدث ضخم ومنافسات مدرسية في ضروب الرياضة والفنون، ولكنها أكبر مظهر وطني للشخصية السودانية، وملتقى تربوي رفيع لم تستطع العقلية التربوية والتعليمة أن تجد ضريباً وصنواً له يضاهيه في الأهداف والغايات والنتائج.. وهذا يحسب لفكر الدورة المدرسية وعبقريتها في جعل مرآة الوطن تنعكس على طلابه ويافعيه في أعمارهم الغضة، يحملون هماً ويوقدون قنديلاً للأمل في واقع تضاءلت فيه الكثير من المشاعل والآمال.
> على الدولة ومؤسساتها أن تلتقط السانحة وتجعل من الدورة المدرسية لهذا الموسم وفي ولاية شمال كردفان ومدينة الأبيض الزاهية، انطلاقة جديدة لصناعة جيل منفعل بقضاياه الوطنية، وبذر بذرة صالحة تنمو في وجداننا الوطني، بعيداً عن الجهويات والمناطقيات، وعلى الدولة تطوير الفكرة بقيام هيئة فاعلة تحتضن وترعى وتدعم الموهوبين وتنشر الإبداع وتعالج وتضيف للمناهج الدراسية أبعاداً تربوية ووطنية جديدة وتوفير المناخ الملائم لترقية فكرة الدورة المدرسية والدخول بها الى آفاق جديدة كون لها تجليات أكبر في الحياة السودانية وتفاعلاتها..