رأي ومقالات

صلاح الدين مصطفى : الحكومة السودانية تغض الطرف عن تقارير تتهمها بأنّها مصدر رئيسي لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية


غضّت الحكومة السودانية الطرف عن تقارير استخباراتية غربية تفيد أنّ السودان أصبح يشكل مصدرا رئيسيىا للمقاتلين الذين ينضمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية خاصة في ليبيا.
وأشارت تلك التقارير ـ التي نشرتها وسائل الإعلام في الإسبوع الأخير من العام الماضي ـ إلى دور نظام البشير في هذا الأمر، سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، بل حذّرت من إمكانية أن يسقط تنظيم الدولة نظام البشير ويسيطر على السودان.
ويرى الصحافي الهادي محمد الأمين، المتخصص في الجماعات الجهادية، أن الحكومة السودانية لم تتعامل مع هذه التقارير بالجدية اللازمة، ويقول لـ «القدس العربي» إنّ الحكومة السودانية لا تتفاعل ـ عادة ـ مع القضايا الخارجية التي تمسّها برؤية استراتيجية، ويكون موقفها مبنيا على ردود الأفعال والإنفعالات، وعزا ذلك لخلل في تركيبة الحكومة تجاه الأولويات.
لكنه يرى أنّ ما أثير عن علاقة السودان بتغذية مقاتلي التنظيم يستحق الجدية في التعامل، حتى لو كان إلتحاق السودانيين في تنظيم الدولة الإسلامية سلوك فردي، وذلك لأنّ السودان مصنّف ضمن الدول الراعية للإرهاب، وبذلك تصبح لهذه الاتهامات إنعكاسات خطيرة ومباشرة على الحكومة.
وفي تقدير الهادي، أنّ السودان يعدُّ بالفعل من أكثر الدول التي تمد التنظيم بالمقاتلين، وإن تمّ ذلك بدون دور رسمي للحكومة، ويرى أنّ المقاتلين القادمين من السودان هم الأخطر في التنظيم لأنهم ـ في الغالب ـ تلقوا تدريبا متقدما في المراحل الأولى من حكم الإنقاذ، وتمت الاستعانة بهم لقتال حاملي السلاح في جنوب السودان قبل أن ينفصل.
ويقول إن معظم السودانيين الذين يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية لهم تأثير واضح في مسرح العمليات، وتقلّدوا مناصب قيادية على الرغم من صغر سنهم، وقادوا عمليات خطيرة تعرف لدى التنظيم (بالإستشهادية)، سواء كان ذلك في سوريا أم ليبيا أم الصومال. وعزا إنضمام السودانيين للتنظيم للمناخ الذي أفرزه توجُّه حكومة الإنقاذ في بداية تسعينيات القرن الماضي،عندما أعلنت الجهاد كإستراتيجية أساسية في مشروعها الإسلامي، مشيرا إلى إنّ هذه هي «الحالة» الأولى في العالم التي تتبنّى فيها دولة إسلامية الجهاد وتدعمه بكل قوة. وأضاف أن إعلان «الحرب على الكفار» كان يتم من قبل جماعات أو حركات، لكن الحكومة السودانية تبنته وأعلنته وفتحت البلاد للمقاتلين من كل أنحاء العالم، ويرى أنّ هذا الوضع أوجد أساسا متينا لنمو وتغذية التطرّف الديني في السودان.
ويقول إن ظاهرة «تنظيم الدولة في السودان» مرت بثلاث مراحل، فقد بدأت كحركة مجتمع وتنظيمات خارج الأطر الرسمية وارتبطت بأبناء الطبقات الراقية، ثم اخترقت الجامعات واستهدفت شبابها. ويرى أن المرحلة الثالثة ـ والتي بدأت إرهاصاتها قبل فترة ـ هي التغلغل في مفاصل الجهاز الرسمي للدولة.
وأضاف أن خروج الشباب عبر مطار الخرطوم ـ وبوابات السودان الأخرى ـ بسهولة للإلتحاق بالتنظيم، يثير العديد من الأسئلة حول (التسهيلات) أو الغطاء الذي يتوفر لهؤلاء الشباب ..!
ويقول الهادي إنّ الخطر المقبل هو الصراع بين تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، والذي بدأ يلوح في الأفق، مشيرا إلى أنه التحدي الأكبر الذي يواجه السودانيين في التنظيمين،لأنه «عراك أعمى» يعتمد على القتل والتصفية في حسم الأمور، بعكس الخلاف السياسي الذي يقبل التسوية.
وهو لا يرى أيّ بادرة لتغيير موقف السودان في المستقبل القريب، خاصة وأنّه مصنّف من قبل تنظيم الدولة الإسلامية بأنه «دولة نُصرة»، كما أن الحكومة السودانية لا تتبنّى استراتيجية رسمية في التعامل مع هذا الوضع، بخلاف ما يحدث في دول أخرى مثل مصر والسعودية على سبيل المثال، حيث يتم تبني استراتيجية شاملة ومدعومة بقرار سياسي في أعلى المستويات بخصوص هذا الملف.
وفي آب/أغسطس من العام الماضي أوضحت الحكومة أنها بصدد محاصرة الإرهاب والتطرف الديني اللذين إنتشرا وسط الشباب، وأقرت بضرورة معالجة الفقر والبطالة والفساد، بوصفها من أسباب الغلو والتطرف.
وشهدت ندوة نظمها مجلس الشباب العربي والأفريقي، بالتعاون مع السفارة الأمريكية في الخرطوم، العديد من المداولات حول هذا الأمر، لكن الحكومة رأت أن انضمام الشباب للجماعات المتطرفة لا يزال محدودا.
وكان الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي قد عبّر عن تخوفه من تمدد التيارات الإسلامية المتشددة «القاعدة» و»تنظيم الدولة الإسلامية» في حال وجود فراغ أمني في السودان وقال ـ في حوار نشرته «القدس العربي» ـ إن نظام الإنقاذ لا يختلف عن «تنظيم الدولة» فالنتيجة واحدة وهي تشويه الإسلام وربطه بالعنف. وأضاف أن هنالك العديد من الأمثلة التي تؤكد هذا الأمر: «المناخ العام يشجع على وجود هذه الحركات وهنالك من يتعاطف معهم ويمهد لهم في خطب الجمعة، كما أن الظروف التي يمر بها الشباب من إحباط ويأس يمثّلان أكبر حاضنين لهذه الجماعات، مع الوضع في الإعتبار أنّ هذه التنظيمات أصبحت تمثّل ثقافة عامة غير مرتبطة بالمكان والزمان».
تشجيع الطلاب للإنضمام لتنظيم الدولة الإسلامية موجود في العديد من الجامعات السودانية، لكن ارتبط الأمر كثيرا بكلية العلوم الطبية، وهي «كلية جامعية خاصة» مملوكة لوزير الصحة في ولاية الخرطوم الدكتور مأمون حميدة ، وذلك لتكرار ظاهرة انضمام طلاب هذه الكلية للتنظيم لدرجة أن سائقي الحافلات التي تمر بالكلية سموا هذه المحطة «داعش». ومن أبرز الطلاب الذين ذهبوا للإنضمام للتنظيم ابنة الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية، لكن تم اللحاق بها وارجاعها قبل أن تصل إلى سوريا.
وحسب موقع «سودان تريبيون» فقد ارتفع عدد السودانيين الذين قضوا في صفوف العديد من الجماعات الإسلامية المتشددة في مختلف الدول إلى ما لايقل عن سبعين، غالبهم من الشباب، آخرهم ابن رجل أعمال معروف قُتل في ريف حمص في سوريا في خواتيم العام الماضي.
وقد ارتفع عدد السودانيين الذين لقوا حتفهم في صفوف تنظيم الدولة في سوريا إلى 12 شابا، بينما لقي حوالي 25 سودانيا مصرعهم في ليبيا منذ العام 2013. وفي مالي يعتقد أنّ حوالي 12 من الشباب السودانيين قتلوا، بينما يتراوح عددهم في العراق ما بين 10 ـ 15، مقابل ثمانية في الصومال، وخمسة في اليمن.
صلاح الدين مصطفى


‫3 تعليقات

  1. وفي تقدير الهادي، أنّ السودان يعدُّ بالفعل من أكثر الدول التي تمد التنظيم بالمقاتلين،

    وانا اشك في الهادي بأنه عميل لتلك الجهة التي صاغت التقرير واشك في ان التقرير من انتاج عقله ومخرجه تلك الجهة.