منى ابوزيد

في أنسنة المصارف ..!


«قبول الائتمان حق من حقوق الإنسان، وأولوية الاقتراض من المصارف يجب أن تكون للفقير الذي لا يملك شيئاً» .. الكاتبة ..!
يوم أمس الأول افتتح البنك السوداني الفرنسي فرعه الجديد بمنطقة الكدرو، ودشن نجاحه الاقتصادي المتعاظم بحدث فني جميل وانعطافة ثقافية راقية – وتفعيل أنيق لمبدأ المسؤولية الاجتماعية – بتكريم أيقونة التفرد في الغناء السوداني، ورائد المدرسة الفنية المدهشة مفردةً ولحناً وأداءاً .. المطرب العملاق النور الجيلاني – شفاه الله وعافاه ورد صوته العذب الجميل إلى عشاقه ومريديه رداً جميلاً – بحضور قادة الاقتصاد ورموز السياسة ونجوم المجتمع ..!
كانت لحظات سائغة من الجلال، شهدنا فيها أنسنة الحضور الاقتصادي بعيداً عن كدر الحسابات وحموضة الأرقام، وقريباً جداً من جوامع الكلم الإنسانية الحقة، في تواصل أعاد للبساطة السودانية عزها ــ بلا تقعر أو تكلف ـــ وأنزل رئيس مجلس الإدارة، والمدير العام، والفنان الشهير منزلة المواطن الصالح، وارتقى بمفردات متحذلقة، وعرة، على غرار: العُرى والأواصر والوشائج إلى مراقي الفعل الأخلاقي الجليل، وصعد بأرواح الحاضرين على اختلاف رؤاهم ومذاهبهم ومشاربهم إلى مدارج التكامل الإنساني النبيل، وأعطى المبدع السوداني حقه – كاملاً غير منقوص – حينما جعل منه قيمة تُمجَّد، ورمزاً يؤتى، وعَلَماً يُزار ..!
فضلاً عن استقطاب الودائع والارتقاء بالثقافة الإدخارية لسكان المنطقة ووتوفير السيولة ومنح الأرباح المجزية وتقديم الخدمات لمختلف الشرائح الاقتصادية أعلن البنك السوداني الفرنسي أن فرعه الجديد سوف يخدم قطاع الحرفيين وغيره من قطاعات محدودي الدخل بمشاريع التمويل الأصغر ..!
هي – على كل حال – مناسبة لا بأس بها للحديث عن علاقة الدولة بالبنوك من جهة، وعلاقة المواطن بالبنوك من جهة أخرى .. فالفائدة الكبيرة من هذه المعاملات كانت ولا تزال حكراً على الأثرياء والمستثمرين لعيوب كثيرة لا تزال تعصف بمناهج التطبيق المحلي للمبادئ الأخلاقية التي تنهض عليها مشاريع التمويل الأصغر بمعاييره العالمية .. نحن لا نزال بحاجة إلى أن نحذو – في ذلك – حذو بلاد فقيرة أحال التطبيق الجيد لهذا النوع من المعاملات الاقتصادية فقر طبقاتها الفقيرة كفاية وقناعة اقصادية وبالتالي أمناً سياسياً..!
أما فيما يلي الدولة فإن وقوف المحاذير الشكلانية – غير المواكبة للتطور – حائلاً دون بعض وجوه المعاملات قد بات اليوم أكبر مُهددات التحاق السودان بركب الحداثة الاقتصادية، التي سبقتنا إليها دول إسلامية كثيرة – تحت مظلة الشرع – ودونما أي مساس بثوابت فقه المعاملات ..!
نحن مجتمع مُتصوِّف يتعامل مع مصدر لقمة عيشه بسياسة الحس المُرهف، وتلك إحدى فضائلنا العظيمة، ولكن! .. هنالك الكثير من المفاهيم الاقتصادية السائدة التي آن لها أن تُصحح .. ولولا التنطُّع في تقييم الدولة لبعض وجوه المعاملات لما راجت تجارة «الكسر» التي ملأت سجون البلاد بأرباب الأسر المعسرين ..!
إن فقه معاملاتنا المالية الذي تستند إليه الرقابة الشرعية على المصارف يحتاج إلى تطوير منهجي، وإلى تشريعات مواكبة لمستحدثات هذا العصر من الملمات والمكاره والموبقات الاقتصادية التي باتت تفرضها قسوة هذا العالم المادي ..!
اقتصادنا الوطني بحاجة إلى قراءات مواكبة ومراجعات جادة تنتهج التأمل في جدوى بعض وجوه الرقابة الشرعية الصارمة على معاملات البنوك.. وحتى لا نوغل بعيداً – فنتهم في ديننا! – دونكم سياسات الصيرفة السعودية في «أرض الحرمين» ..!