منى ابوزيد

اللص والكلاب .. !


«يستيقظ الصحفي العربي صباحاً .. وقبل أن يبدأ كتابة مقاله يكون خائفاً من تحقق أحد احتمالات ثلاثة: أن يفضي به رأيه إلى الموت.. أو أن يؤدي به إلى السجن.. أو أن يتسبب في فصله عن عمله.. وذلك أضعف الإيمان» .. توماس فريدمان ..!
الفنان الأمريكي الكوميدي فريد آلن يقول إن «التلسكوب يمكنه أن يكبر نجمة ألف مرة، أما الصحفي فيمكنه أن يفعل أفضل من ذلك بكثير!»، بينما يرى الكاتب العربي محمد حسن علوان أن «آخر العناوين الجميلة في تاريخنا كان قبل اختراع الصحافة!»، ورغم التناقض فإن كليهما على حق – على الأقل – وفقاً لحال الممارسة الإعلامية في بلاده ..!
في بلاد الأول الصحافة الاستقصائية هي جوهر العمل الإعلامي، وفي بلاد الأخير – حيث يعتبر التصريح هو الإنجاز السياسي الأكثر شيوعاً والمصدر الشرعي الوحيد للمعلومة – ما يزال الوصول إلى السر السياسي دون إذن الحاكم، جريمة أمنية تعاقب عليها السلطات ..!
في السبعينات نشرت صحيفة النيويورك تايمز وثائق خطيرة من عرين البنتاجون حول حقيقة الدور الأمريكي في فيتنام، وعرضت للشعب حقائق موثقة عن وضع الجيش الأمريكي والأعداد الحقيقية للقتلى هناك.. فأنقذت الصحافة الأمريكية- بذلك – بلادها من دمار الحرب، و سلاحها تحقيق واحد مارست فيه حقها الوطني في الاستقصاء ..!
ولا غرو.. حرية الصحافة هي الحارس الشخصي لأي قوة اقتصادية في العالم! .. والدليل على ذلك أن الرئيس المصري السابق حسني مبارك اتهامات «ياما» بشأن حصوله على هدايا باهظة من الرؤساء والملوك العرب طيلة ثلاثين عام من الاستبداد السياسي، غلفها صمت الصحافة المصرية عن كل شيء عدا ضخامة الإنجازات في عهد مبارك، عهد الفقر والبطالة وانفجار ثورة العشوائيات!
بينما واجه رئيس ألمانيا – أعظم القوى الاقتصادية وأكبر مصدر للسلع وثاني أكبر مستورد لها في العالم – فضيحة حصوله على قرض مالي ميسر من أحد أصدقائه المستثمرين
«قرض وليس منحة!».. لكن الفضيحة الأكبر من وجهة نظر الإعلام في بلاده كانت اتصالاً هاتفياً أجراه مع صحيفة محلية لمنع نشر الخبر ..!
في مجتمعنا هذا، يؤمن الإعلام بحكمة المتنبئ «وأتعب من ناداك من لا تجيبه وأغيظ من عاداك من لا تشاكل»، لكنه لا يستطيع أن يعول عليها في علاقته مع السلطة، لأن ذلك يعني ببساطة أن يفقد مصدره الشرعي الوحيد للحصول على المعلومة ..!
ولأن صحافتنا لا تملك حرية الاستقصاء – كلب الحراسة الذي يسهر على أمن المجتمع من تجاوزات السلطة وفساد المسؤولين – ستظل تعيد إنتاج التصريح السياسي خبراً.. ثم رأياً بشأنه . ثم استطلاعاً أو تحقيقاً حول آثاره تداعياته.. ثم حواراً مع المعسكر السياسي الآخر عن خلفيته ودلالاته .. وهكذا! .. إلى أن تسقطها ثورة قارئ .. أو تنقذها ثورة إصلاح ..!