الصادق الرزيقي

القطيعة مع إيران


> أعلن السودان أمس قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، على خلفية ما جرى بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية، وبدا موقف السودان مؤازراً للموقف السعودي، وسلكت بعض دول الخليج العربي مثل البحرين نفس المسلك، بينما خفضت الإمارات العربية من تمثيلها الدبلوماسي مع إيران، بينما بقيت دول أخرى على مواقفها برغم إدانتها الشديدة للتدخل الإيراني في الشأن الداخلي السعودي والهجوم على مقرات البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران، وكل ذلك على خلفية إعدام السلطات السعودية لبضع وأربعين شخصاً متهمين في قضايا دعم الإرهاب والعنف، بينهم رجل دين شيعي ظل يحرض على تقويض النظام الملكي في المملكة العربية السعودية.
> قبل التعليق على الموقف السوداني، بات من المرجح جداً أو ربما من المؤكد أن المنطقة مقبلة على مواجهة حتمية على أساس مذهبي، بعد تصاعد المد الشيعي في البلدان العربية، خاصة حول الجزيرة العربية من العراق إلى اليمن وشرق المتوسط في لبنان وسوريا، ولم تخفِ بعض القيادات الإيرانية طيلة الفترة الماضية نشوتها وفرحتها بوصول المجموعات الشيعية إلى السيطرة والهيمنة على عدد من البلدان العربية مثل الشيعة الحاكمين في العراق أو الحوثيين في اليمن أو العلويين في سوريا، والنفوذ القوي لحزب الله في لبنان وتصاعد الصوت الشيعي في الخليج العربي نفسه في البحرين ومناطق شرق الجزيرة بما فيها المملكة نفسها، وأثبتت الأيام أن الهلال الشيعي الذي كان الحديث عنه قبل سنوات، ضرب من الخيال السياسي، أصبح حقيقة ماثلة صدقتها الأيام وجسدها الواقع..
> لهذه التطورات الجارية في المنطقة، من الأزمة السورية والوضع في العراق وما يجري في اليمن، تداعيات خطيرة للغاية، خاصة أن التدخل الروسي في سوريا سيعقبه بعد هذه الخلافات بين طهران وبعض العواصم العربية تدخل آخر في مناطق أخرى ربما العراق أو اليمن لصالح التحالف التاريخي بين روسيا والإسلام الشيعي، وهو تحالف تاريخي منذ العهد القيصري في روسيا. والغريب أن الإسلام في روسيا هو الإسلام السني في حوض نهر الفولغا أو شمال القوقاز أو الشيشان.
> فإذا كانت المنطقة مقبلة على مواجهة ذات طبيعة مذهبية، ستنعكس على كل الوضع وجغرافيتها السياسية، وستنشأ تحالفات جديدة تغير من الصور والأشكال والتراكيب القائمة الآن، فإننا نحتاج إلى رؤية أعمق بكثير مما يجري الآن، والسودان ليس بعيداً عن ما يحدث وهو جزء من النبض المتلاحق لا يمكن سلخه وفصله منه..
> لكن هل التقديرات السودانية التي قادت إلى قطع العلاقات مع إيران صحيحة؟.. وما الذي سيجنيه بلد مثل السودان من هذا الموقف؟..
> للوهلة الأولى، يمكن تلخيص الإجابة عن هذين السؤالين في جانبيهما الظاهري والشكلاني، وكأن ما فعله السودان هو مجرد مجاملة للمملكة العربية السعودية ومناصرتها في خلافها مع إيران.
> لكن الحقيقة غير ذلك.. فالخرطوم منذ فترة طويلة لم تكن علاقتها مع إيران على ما يرام، وتقول الحكومة إنها تنبهت من فترة ليست بالقصيرة إلى الغايات والأهداف الإيرانية وما تقوم به من نشر للمذهب الشيعي ونشر الفتنة الطائفية والمذهبية والتغلغل في داخل الكيانات الاجتماعية التقليدية في السودان، ثم ظهرت خطورة ما يخشاه السودان في تنامي ظاهرة التشيُّع التي بلغت مداها في غرب إفريقيا خاصة في نيجيريا، بعد وقوع مواجهات دامية وسقوط عدد كبير من القتلى في مواجهات مسلحة بين مؤيدي المذهب الشيعي من النيجيريين والسلطات المحلية والمجتمع هناك، وهي ظاهرة خطيرة للغاية كان سيكون لها امتداداتها في غرب إفريقيا وربما تزحف شرقاً حتى السودان، ولذلك سارع السودان إلى إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية منذ أكثر من عام وظلت العلاقة مع إيران في مرحلة الجمود حتى وصلت أخيراً إلى القطيعة الكاملة، الأمر الذي يعني أن مقدمات ما جرى كانت موجودة وماثلة.
> إذا كان الموقف الإستراتيجي للدولة السودانية بالمعطيات الماثلة صحيحاً، فإن إخراج قرار قطع العلاقات مع إيران، أثار تساؤلات في توقيته والكيفية التي تم إشهاره بها، لكنه في كل الأحوال في تطابق بين ما كان كائناً أصلاً وبين ظرف الزمان الذي تم فيه.. وسيكون لموقف السودان ما بعده.. كما أن المنطقة كلها تتأهب لما سيأتي، فإذا كانت الرياض قد أفلحت بسرعة في عزل إيران إقليمياً، فإن على العازلين الاستعداد للمرحلة المقبلة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ حيث لا سقف لما تخبئه ردات الأفعال..


‫2 تعليقات

  1. اننا ليس اقرب للسعوديه من الامارات ثانيا وثالثاهذا قرار فيه نقص لمكانة الدوله السودانيه والسودانيين